الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أزال شبهة النسبة إلى الغلول بحذافيرها؛ وأثبت ما له من أضدادها؛ من معالي الشيم؛ وشمائل الكرم؛ صوب إلى شبهة قولهم: "لو كان رسولا ما انهزم أصحابه عنه"؛ [ ص: 117 ] فقال (تعالى): أولما ؛ أي: أتركتم ما أرشدكم إليه الرسول الكريم؛ الحليم؛ العليم؛ الحكيم؟ ولما أصابتكم ؛ أي: في هذا اليوم مصيبة ؛ لمخالفتكم لأمره؛ وإعراضكم عن إرشاده؛ قد أصبتم مثليها ؛ أي: في "بدر"؛ وأنتم في لقاء العدو؛ وكأنما تساقون إلى الموت؛ على الضد مما كنتم فيه في هذه الغزوة؛ وما كان ذلك إلا بامتثالكم لأمره؛ وقبولكم لنصحه؛ قلتم أنى ؛ من أين؟ وكيف أصابنا هذا ؟ أي: بعد وعدنا النصر؛ قل هو من عند أنفسكم ؛ أي: لأن الوعد كان مقيدا بالصبر؛ والتقوى؛ وقد تركتم المركز؛ وأقبلتم على الغنائم قبل الأمر به؛ وعن علي - رضي الله (تعالى) عنه - أن ذلك باختيارهم الفداء يوم "بدر"؛ الذي نزل فيه: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ؛ وأباح لهم - سبحانه وتعالى - الفداء بعد أن عاتبهم؛ وشرط عليهم إن اختاروه أن يقتل منهم في العام المقبل بعد الأسرى؛ فرضوا؛ وقالوا: نستعين بما نأخذه منهم عليهم؛ ثم نرزق الشهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم علل ذلك بقوله: إن الله ؛ أي: الذي لا كفؤ له؛ على كل شيء ؛ أي: من النصر؛ والخذلان؛ ونصب أسباب كل منهما؛ قدير [ ص: 118 ] وقد وعدكم بذلك - سبحانه وتعالى - في العام الماضي؛ حين خيركم فاخترتم الفداء؛ وخالف من خالف منكم الآن؛ فكان ذكر المصيبة التي كان سببها مخالفة ما رتبه - صلى الله عليه وسلم -؛ بعد ختم الآية التي قبلها بالتذكير بما كانوا عليه من الضلال؛ على ما ترى من البلاغة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية