الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 298 ] 451 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسل الكفار أنهم لا يقتلون ، وإن كان منهم ما لو لم يكونوا رسلا وجب به له قتله .

2861 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا علي بن معبد ، وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو غسان ، قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : حدثنا عاصم بن بهدلة ، قال : حدثني أبو وائل ، قال : حدثني ابن معيز السعدي قال : خرجت أسقد فرسا لي بالسحر ، فمررت على مسجد من مساجد بني حنيفة ، فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله ، فرجعت إلى عبد الله بن مسعود ، [ ص: 299 ] فذكرت له أمرهم فبعث الشرط ، فأخذوهم فجيء بهم إليه ، فتابوا ورجعوا عما قالوه ، وقالوا : لا نعود ، فخلى سبيلهم ، وقدم رجلا منهم يقال له : عبد الله بن النواحة فضرب عنقه ، فقال الناس : أخذت أقواما في أمر واحد ، فخليت سبيل بعضهم ، وقتلت بعضهم ، فقال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاءه ابن النواحة ورجل معه ، يقال له : ابن وثال حجر وافدين من عند مسيلمة ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهدان أني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله ؟ فقال : آمنت بالله عز وجل وبرسوله ، لو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما ، فلذلك قتلت هذا .

2862 - وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : أنبأنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله ، فقال : ما بيني وبين أحد [ ص: 300 ] من العرب إحنة ، وإني مررت بمسجد بني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة ، فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم ، فاستتابهم غير ابن النواحة ، فقال له : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لولا أنك رسول لضربت عنقك ، وأنت اليوم لست برسول ، فأمر قرظة بن كعب ، فضرب عنقه في السوق ، ثم قال : من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا بالسوق فلينظر .

[ ص: 301 ]

2863 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس ، يعني : ابن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني سعد بن طارق ، عن سلمة بن نعيم ، عن أبيه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسل مسيلمة بكتابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما : وأنتما تقولان مثل ما يقول ؟ فقالا : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما .

[ ص: 302 ] فتأملنا هذه الآثار طلب الوقوف على المراد بما فيها من رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفود أن لا تقتل ، وإن كان منها مثل الذي كان من ابن النواحة وصاحبه مما يوجب قتلهما لو لم يكونا رسولين ، فوجدنا الله - عز وجل - قد قال في كتابه لرسوله صلى الله عليه وسلم : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، أي فيتبعه ، أي يجب عليه المقام حيث يقيم المسلمون سواه ، أو لا يتبعه فيبلغه مأمنه ، وكان في تركه اتباعه بقاؤه على كفره الذي يوجب سفك دمه لو لم يأته طالبا لاستماع كلام الله ، فحرم بذلك سفك دمه حتى يخرج عن ذلك الطلب ويصير إلى مأمنه فيحل بعد ذلك سفك دمه ، فكان مثل ذلك الرسل الذين يبلغون من أرسلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه لهم فيما أرسلوهم فيه إليه منه ، وسماعهم كلام الله عز وجل ليكون من يصيرون إليه بذلك يقبله فيدخل في الإيمان أو لا يقبله فيبقى على حربيته ، وعلى حل سفك دمه ، فهذا عندنا هو المعنى الذي به رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسل القتل ، وإن كان منهم ما يوجب قتلهم لو لم يكونوا رسلا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية