الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (5) قوله : بأن ربك : متعلق بـ "تحدث"، أي: تحدث. ويجوز أن يتعلق بنفس "أخبارها" وقيل: الباء زائدة، وأن وما في حيزها بدل من "أخبارها" وقيل: الباء سببية، أي: بسبب إيحاء الله تعالى إليها. وقال الزمخشري : "فإن قلت: أين مفعولا [ ص: 75 ] "تحدث" ؟ قلت: حذف أولهما، والثاني:" أخبارها "، وأصله: تحدث الخلق أخبارها. إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم. فإن قلت: بم تعلقت الباء في قوله" بأن ربك "؟ قلت: بتحدث; لأن معناه: تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك. ويجوز أن يكون المعنى: تحدث ربك بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها، كما تقول: نصحتني كل نصيحة بأن نصحتني في الدين" قال الشيخ: "وهو كلام فيه عفش ينزه القرآن عنه" . قلت: وأي عفش فيه مع صحته وفصاحته؟ ولكن لما طال تقديره من جهة إفادته هذا المعنى الحسن جعله عفشا وحاشاه.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال الزمخشري : "ويجوز أن يكون "بأن ربك" بدلا من "أخبارها" كأنه قيل: يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها; لأنك تقول: حدثته كذا، وحدثته بكذا". قال الشيخ: "وإذا كان الفعل يتعدى تارة بحرف جر، وتارة يتعدى بنفسه، وحرف الجر ليس بزائد، فلا يجوز في تابعه إلا الموافقة في الإعراب فلا يجوز: "استغفرت الذنب العظيم" بنصب "الذنب" وجر "العظيم"، لجواز أنك تقول "من الذنب"، ولا "اخترت زيدا الرجال الكرام" بنصب "الرجال" وخفض "الكرام"، وكذلك لا يجوز أن تقول:" استغفرت من الذنب العظيم بنصب "العظيم" وكذلك في "اخترت" فلو كان حرف الجر زائدا جاز الإتباع [ ص: 76 ] على موضع الاسم بشروطه المحررة في علم النحو تقول: "ما رأيت من رجل عاقلا" لأن "من" زائدة، و "من رجل عاقل" على اللفظ، ولا يجوز نصب "رجل" وجر "عاقل" على جواز مراعاة دخول "من" ، وإن ورد شيء من ذلك فبابه الشعر". انتهى. ولا أدري كيف يلزم الزمخشري ما ألزمه به من جميع المسائل التي ذكرها، فإن الزمخشري يقول: إن هذا بدل مما قبله، ثم ذكر مسوغ دخول الباء في البدل: وهو أن المبدل منه يجوز دخول الباء عليه، فلو حل البدل محل المبدل منه ومعه الباء، لكان جائزا; لأن العامل يتعدى به، وذكر مسوغا لخلو المبدل منه من الباء فقال: "لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا". وأما كونه يمتنع أن تقول: "استغفرت الذنب العظيم" بنصب "الذنب" وجر "العظيم" إلى آخره، فليس في كلام الزمخشري شيء منه البتة. ونظير ما قاله الزمخشري في باب "استغفر" أن تقول "استغفرت الله ذنبا من شتمي زيدا" فقولك: "من شتمي" بدل من "الذنب"، وهذا جائز لا محالة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أوحى لها في هذه اللام أوجه، أحدها: أنها بمعنى إلى، وإنما أوثرت على "إلى" لموافقة الفواصل. وقال العجاج في وصف الأرض:


                                                                                                                                                                                                                                      4614 - أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت



                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنها على أصلها، و "أوحى" يتعدى باللام تارة وب "إلى" أخرى، ومنه البيت المتقدم. الثالث: أن اللام على بابها من العلة، [ ص: 77 ] والموحى إليه محذوف، وهو الملائكة، تقديره: أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض، أي: لأجل ما يفعلون فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية