الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 303 ] 452 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من بدل دينه فاقتلوه .

2864 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي ، قال :

حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أنبأنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ( ح ) .

وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه أتي بقوم زنادقة ، أو ارتدوا عن الإسلام ، ووجدوا معهم كتبا ، فأمر بنار فأججت فألقاهم وكتبهم ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لو أني كنت أنا لقتلتهم ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أحرقهم ؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله .

[ ص: 304 ]

2865 - وحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، وسفيان ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من بدل دينه فاقتلوه .

2866 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا بندار ، قال : حدثنا عبد الوهاب كلهم عن أيوب ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه .

[ ص: 305 ]

2867 - حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : ذكر عند ابن عباس قوم أحرقهم علي ، فقال : لو كنت لقتلتهم ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه ، ولم أكن لأحرقهم بالنار ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يعذب بعذاب الله أحد ، فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه ، فكأنه لم يشتهه .

2868 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمود بن غيلان ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أنبأنا ابن جريج ، عن إسماعيل ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : فذهب ذاهبون إلى أن من ارتد عن الإسلام وجب قتله ، رجع إلى الإسلام أو لم يرجع إليه ، وجعلوا ارتداده موجبا عليه القتل حدا لما كان منه ، قالوا : كما أن الزاني لا ترفع عنه توبته [ ص: 306 ] حد الزنا .

وكما أن السارق لا ترفع عنه توبته حد السرقة ، كان مثل ذلك المرتد ، لا ترفع عنه توبته حد ردته ، وهو القتل ، فكان من حجتنا عليهم في ذلك لمخالفتهم فيه أنا وجدنا الله - عز وجل - أمرنا بإقامة حد الزنى على الزاني ، وبإقامة حد السرقة على السارق ، فقال عز وجل في كتابه : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، وقال : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، فكان اسم الزنى غير مفارق للزاني ، وإن ترك الزنى ، وكذلك اسم السارق لازم للسارق ، وإن زال عن السرقة وتركها .

ووجدنا المرتد قد صار بردته كافرا ، وكان إذا زال عن الردة إلى الإسلام لا يجوز أن يقال له : كافر ؛ لأنه إنما كان يجوز أن يسمى بالكفر لما كان كافرا ، فلما خرج عن الكفر وصار مسلما لم يجز أن يقال له : كافرا ؛ لأنه لا يجوز مع ذلك أن يسمى مسلما ، فاستحال أن يسمى في حال واحدة كافرا مسلما ، وقد قال الله - عز وجل - : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ، فأثبت لهم عز وجل الإيمان بعد كفرهم الذي كان منهم ارتداد عن الإيمان ، ولما كان ما ذكرنا كذلك ، كان معقولا أن من لزمه اسم معنى من هذه المعاني ، ولم يزل عنه ذلك الاسم كان من أهله ، ووجب أن تقام عليه عقوبته ، وإن من كان من أهلها في حال ، فزال عنه الاسم الذي يسمى به أهلها ، زالت عنه العقوبة الواجبة على أهل ذلك الاسم ، وقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوجب على الراجع من الردة [ ص: 307 ] من الاسم ما ذكرنا من رفع القتل عنه بذلك .

2869 - وهو ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ارتد رجل من الأنصار ، فلحق بمكة ، ثم ندم ، فأرسل إلى قومه : سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة ؟ قال : فأنزل الله عز وجل : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق - إلى قوله - إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ، فكتبوا بها إليه فاسترجع فأسلم .

قال أبو جعفر : فقال أهل المقالة الأولى : فقد وجدنا في كتاب الله - عز وجل - ما يدل على ما ذكرنا ، وهو قوله جل وعز : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، فأخبر عز وجل أنه من أشرك بالله عز وجل حرمه الجنة ، ولم يذكر عز وجل أن رجوعه عن شركه يخرجه من ذلك حتى يعود إلى أن يكون من أهل الجنة .

[ ص: 308 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك الشرك الذي يكون من أهله حتى يموت على ذلك ، كما قال - عز وجل - في الآية الأخرى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، الآية ، فبين - عز وجل - في هذه الآية أنه أراد بالوعيد الذي فيها من يموت على ردته لا من يرجع منها إلى الإسلام ، الذي كان من أهله قبل ذلك ، فمثل ذلك قوله - عز وجل - : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، هو الشرك الذي يموت عليه لا الشرك الذي ينزع عنه ، ويرجع إلى الإسلام حتى يموت عليه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية