الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين تسليطه الشيطان عليهم، بين سببه فقال: ذلك أي: الأمر البعيد من الخير وما دل عليه صريح العقل بأنهم أي: بسبب أن هؤلاء المتولين قالوا للذين كرهوا ما أي: جميع ما نـزل الله أي: الملك الأعظم على التدريج بحسب الوقائع تنزيلا فيه إعجاز الخلق في بلاغة التركيب مع فصاحة المفردات وجزالتها مع السهولة في النطق والعذوبة في السمع والملاءمة للطبع كما يشهد به كل ذوق من الأغبياء والأذكياء على تباينهم في مراتب الغباوة والذكاء، وإعجاز آخر لهم في رصانة المعنى وحكمته، وثالث في مطابقته للحال الذي اقتضى نزوله مطابقة يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها، ورابع بنظمه مع ما نزل قبله من الآيات، لا على ترتيب النزول، بل على ما اقتضته الحكمة التي تتضاءل دونها الأفكار، وتولي خاسئة من جلالتها على الأدبار، بصائر أولي الأبصار، وهؤلاء المقول لهم هذا الكلام هم -والله أعلم- المصارحون بالكفر، قالوا لهم بعد هذه الأدلة من الإعجازات، وما تقدمها من [ ص: 248 ] الآيات البينات الواضحات: سنطيعكم بوعد صادق لا خلف فيه في بعض الأمر وهو القتال في سبيل الله الذي تقدم أنهم عند نزول سورة يذكر بها يصيرون كالذي يغشى عليه من الموت، [فأنتم في أمان] من أن نقاتلكم أبدا؛ فإنا إنما أسلمنا للأمان على دمائنا وأموالنا، والذي نحبه مما ينزل هو التأمين لمن أقر بكلمة الإسلام والقناعة منه بالظاهر والوعد العام بالتبسط في البلاد والتوسعة في الأرزاق ونحو ذلك، فكانوا بذلك كفرة؛ فإن الدين لا يتجزأ، فمن أضاع من أصوله شيئا فقد أضاعه كله، والتقييد بالبعض يفهم أنهم لا يطيعونهم في البعض الآخر، وهو إظهار الإسلام والتصور بصورة المسالمة، وذلك كله بأن الله تعالى جبلهم جبلة هيأهم فيها لمثل هذا، فلما قالوه مضيعين لما من عليهم من غريزة العقل استحقوا في مجاري عاداتنا لاختيارهم طاعة العدو - مع تغييب علم العواقب عنهم - أن يخذلوا ويسلط عليهم ليكون أخذهم في الظاهر ممن أطاعوه في الباطن، ولو أنهم استمسكوا بدينهم وكانوا مع أهله يدا على من سواهم لم يقدر عليهم عدو، ولا طرقتهم طارقة يكرهونها بسوء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 249 ] ولما كان من له أدنى عقل لا يخون إلا [إذا] ظن أن خيانته تخفى ليأمن عاقبتها، صور قباحة ما ارتكبوه فقال: والله أي: قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علما وقدرة يعلم على مر الأوقات إسرارهم أي: كلها هذا الذي أفشاه عليهم وغيره مما في ضمائرهم مما لم يبرز على ألسنتهم، ولعلهم لم يعلموه هم فضلا عن أقوالهم التي تحدثت بها ألسنتهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية