الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر سبحانه أنه يعرفهم لنبيه صلى الله عليه وسلم، أتبعه الإخبار بأنه يعرفهم لكافة المؤمنين أيضا، فقال مؤكدا لأجل ظنهم أن عندهم من الملكة الشديدة والعقل الرصين ما يخفون به أمورهم: ولنبلونكم أي: نعاملكم معاملة المبتلى بأن نخالطكم بما لنا من صفات العظمة بالأوامر الشديدة على النفوس والنواهي الكريهة إليها والمصائب، خلطة مميلة محيلة، وهكذا التقدير في الفعلين الآتيين في قراءة الجماعة بالنون جريا على الأسلوب الأول، وفي قراءة أبي بكر عن عاصم بالياء الضمير لله تعالى الذي هو محيط بصفات العظمة الراجعة إلى القهر وغيرها من صفات الإكرام الآئلة إلى الإنعام، فهو في غاية الموافقة لقراءة النون حتى نعلم بالابتلاء علما شهوديا يشهده غيرنا مطابقا لما كنا نعلمه علما غيبيا فنستخرج من سرائركم ما كوناه فيكم [وجبلناكم عليه مما لا يعلمه أحد منكم] بل ولا تعلمونه أنتم حق علمه المجاهدين منكم في القتال و [في] سائر الأعمال والشدائد والأهوال امتثالا للأمر بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان عماد الجهاد الصبر على المكاره قال تأكيدا لأمره: [ ص: 257 ] والصابرين أي: على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد، قال القشيري: فبالابتلاء والامتحان تتبين جواهر الرجال، فيظهر المخلص ويتضح المماذق وينكشف المنافق. ولما نصب معيارا للعلم بالذوات، أتبعه مسبارا للمعرفة للأخيار، فقال عاطفا على "نعلم" في رواية الجماعة وعلى "نبلو" في الرواية عن يعقوب بإسكان الواو: ونبلو أخباركم أي: نخالطها بأن نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحا وقبيحا مليحا ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان، فإن العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أن ذلك إحسان من الله إليه فيستحيي منه ويرجع إليه، وإذا سمى حسنه باسم القبيح واشتهر به علم أن ذلك لطف من الله به كيلا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه، والعامل للشيطان يزداد في القبائح؛ لأن شهرته عند الناس محط نظره، ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخبر ولم يؤكد بنا، وفي قراءة يعقوب إشارة إلى أن إحالة حال المخبر بعد ظهور خبره أسهل من إحالته قبل ظهوره، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبلنا؛ فإنك إن بلوتنا هتكت أستارنا وفضحتنا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية