الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية .

يتبادر في بادئ الرأي أن حق هذه الجملة أن تعطف على جملة وجوه يومئذ خاشعة بالواو لأنها مشاركة لها في حكم البيان لحديث الغاشية كما عطفت جملة ووجوه يومئذ عليها غبرة على جملة وجوه يومئذ مسفرة في سورة عبس . فيتجه أن يسأل عن وجه فصلها عن التي قبلها ، ووجه الفصل التنبيه على أن المقصود من الاستفهام في هل أتاك حديث الغاشية الإعلام بحال المعرض بتهديدهم وهم أصحاب الوجوه الخاشعة ، فلما حصل ذلك الإعلام بجملة وجوه يومئذ خاشعة إلى آخرها تم المقصود ، فجاءت الجملة بعدها مفصولة ; لأنها جعلت استئنافا بيانيا جوابا عن سؤال مقدر تثيره الجملة السابقة فيتساءل السامع : هل من حديث الغاشية ما هو مغاير لهذا الهول ؟ أي : ما هو أنس ونعيم لقوم آخرين .

ولهذا النظم صارت هذه الجملة بمنزلة الاستطراد والتتميم ، لإظهار الفرق بين حالي الفريقين ولتعقيب النذارة بالبشارة فموقع هذه الجملة المستأنفة موقع الاعتراض ولا تنافي بين الاستئناف والاعتراض وذلك موجب لفصلها عما قبلها . وفيه جري القرآن على سننه من تعقيب الترهيب والترغيب .

فأما الجملتان اللتان في سورة عبس فلم يتقدمهما إبهام لأنهما متصلتان معا بالظرف وهو فإذا جاءت الصاخة .

وقد علم من سياق توجيه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوجوه الأولى وجوه المكذبين بالرسول والوجوه المذكورة بعدها وجوه المؤمنين المصدقين بما جاء به .

[ ص: 299 ] والقول في تنكير ( وجوه ) ، والمراد بها ، والإخبار عنها بما بعدها ، كالقول في الآيات التي سبقتها .

وناعمة : خبر عن وجوه . يجوز أن يكون مشتقا من نعم بضم العين ينعم بضمها الذي مصدره نعومة وهي اللين وبهجة المرأى وحسن المنظر . ويجوز أن يكون مشتقا من نعم بكسر العين ينعم مثل حذر ، إذا كان ذا نعمة ، أي : حسن العيش والترف .

ويتعلق لسعيها بقوله : راضية ، وراضية خبر ثان عن وجوه .

والمراد بالسعي : العمل الذي يسعاه المرء ليستفيد منه . وعبر به هنا مقابل قوله في ضده عاملة .

والرضى : ضد السخط ، أي : هي حامدة ما سعته في الدنيا من العمل الذي هو امتثال ما أمر الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

والمجرور في قوله : في جنة عالية خبر ثالث عن وجوه .

والجنة أريد به مجموع دار الثواب الصادق بجنات كثيرة أو أريد به الجنس مثل علمت نفس .

ووصف الجنة بـ عالية لزيادة الحسن ; لأن أحسن الجنات ما كان في المرتفعات ، قال تعالى : كمثل جنة بربوة فذلك يزيد حسن باطنها بحسن ما يشاهده الكائن فيها من مناظر ، وهذا وصف شامل لحسن موقع الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية