الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 314 ] 454 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .

2871 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن سليمان القرشي البصري ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : حدثني أبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وضع منبري على ترعة من ترعات الجنة ، وما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة .

قال أبو جعفر : وقد حدث بهذا الحديث غير واحد من أهله منهم : محمد بن يحيى القطعي ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، وأبو شعيب صالح بن حكيم ، عن محمد بن سليمان هذا .

[ ص: 315 ]

2872 - وحدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمار الدهني ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، وإن قوائم منبري على رواتب في الجنة .

2873 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي .

[ ص: 316 ]

2874 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى المسعودي ، قال : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .

قال أبو جعفر : وهذا من حديث مالك ، يقول أهل العلم بالحديث : إنه لم يحدث به عن مالك أحد غير أحمد بن يحيى هذا ، وغير عبد الله بن نافع الصائغ .

2875 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، أو عن أبي سعيد الخدري - هكذا حدثناه يونس بالشك - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي .

[ ص: 317 ]

2876 - حدثنا الربيع الجيزي ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله المدني ، قال : حدثنا مالك ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد ، أو عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

2877 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، أن حفص بن عاصم أخبره ، عن أبي هريرة ، وعن أبي سعيد ، هكذا حدثناه علي بن معبد بلا شك ذكره فيه ، ثم ذكر مثل حديث يونس سواء ، وذكره عن أبي سعيد ، وأبي هريرة رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2878 - وحدثنا الحسين بن الحكم الكوفي الجيزي ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا محمد بن [ ص: 318 ] إسحاق ، قال : حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن منبري على حوضي وما بين بيتي وبين منبري روضة من رياض الجنة ، وصلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه من المساجد ، إلا المسجد الحرام .

قال : وحدثني المسور بن رفاعة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مثله .

2879 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، [ ص: 319 ] ومحمد بن علي بن داود ، قالا : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا إسحاق بن شرفى مولى آل عمر ، قال : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عمر قال : حدثني أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .

2880 - حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد المازني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة .

[ ص: 320 ]

2881 - حدثنا الربيع الجيزي ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله ، قال : حدثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد المازني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة .

2882 - حدثنا محمد بن خزيمة ، وفهد بن سليمان جميعا قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن ما بين منبري وبين بيتي روضة من رياض الجنة .

[ ص: 321 ]

2883 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن هشيم ، عن علي بن زيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين منبري إلى بيتي روضة من رياض الجنة ، وإن منبري لعلى ترعة من ترع الجنة .

فقال قائل : هذه الآثار تدل على أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره خارجان عن الروضة .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : [ ص: 322 ] أنه قد يجوز أن يكونا خارجين من الروضة كما ذكر ، ويكون منبره على ما قد بين في هذه الآثار التي قد رويناها في هذا الباب : أن قوائمه رواتب في الجنة ، فيكون من الجنة في خلاف الروضة .

وقد دل على هذا التأويل ما قد روي عن سهل بن سعد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى .

2884 - كما قد حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي ، قال : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حسان بن عبد الله ، يعني : الواسطي ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، يعني : القاري ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة ، قال : فقال سهل بن سعد : أتدرون ما الترعة ؟ هي الباب من أبواب الجنة .

[ ص: 323 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن منبره صلى الله عليه وسلم من الجنة على خلاف الروضة ، وهو الترعة على ما في هذا الحديث ، ويكون قبره صلى الله عليه وسلم من الجنة إما في روضة سوى تلك الروضة مما هو أجل منها وأنعم وأرفع مقدارا ؛ لأنه لما كان منبره بلغه الله عز وجل بجلوسه وبقيامه عليه ما بلغه ، كان قبره الذي قد تضمن بدنه ، فصار له مثوى بذلك أولى ، وبالزيادة عليه أحرى ، والجنة ففيها روضات لا روضة واحدة ، كما قال الله - عز وجل - في كتابه : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ، فيجوز إن كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في روضة من هذه الروضات أن تكون روضة فوق الروضة التي بين قبره ومنبره ، ويجوز أن تكون غير الروضة مما هو أكبر من الروضة ، ويجوز أن تكون ما يجمع الروضة وغيرها مما شرفه الله - عز وجل - به ، وأعلى به منزلته ، وأثابه به عن سائر الناس سواه واختصه به دون بقيتهم .

وفي هذا الحديث معنى يجب أن يوقف عليه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، على ما في أكثر هذه الآثار ، وعلى ما في سواه منها : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، فكان تصحيحهما يجب به أن يكون بيته هو قبره ، ويكون ذلك علامة من علامات النبوة جليلة المقدار ؛ لأن الله - عز وجل - قد أخفى على كل نفس سواه صلى الله عليه وسلم الأرض التي يموت فيها ؛ بقوله جل وعز في كتابه : وما تدري نفس بأي أرض تموت ، فأعلمه عز [ ص: 324 ] وجل الموضع الذي فيه يموت ، والموضع الذي فيه قبره ، حتى علم ذلك في حياته ، وحتى أعلمه من أعلمه من أمته ، فهذه منزلة لا منزلة فوقها زاده الله شرفا وخيرا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية