الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صدر

                                                          صدر : الصدر : أعلى مقدم كل شيء وأوله ، حتى إنهم ليقولون : صدر النهار والليل ، وصدر الشتاء والصيف ، وما أشبه ذلك مذكرا ؛ فأما قول الأعشى :


                                                          ويشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم

                                                          قال ابن سيده : فإن شئت قلت أنث ؛ لأنه أراد القناة ، وإن شئت قلت إن صدر القناة قناة ؛ وعليه قوله :


                                                          مشين كما اهتزت رماح تسفهت     أعاليها مر الرياح النواسم

                                                          والصدر : واحد الصدور ، وهو مذكر ، وإنما أنثه الأعشى في قوله : كما شرقت صدر القناة على المعنى ؛ لأن صدر القناة من القناة ، وهو كقولهم : ذهبت بعض أصابعه ؛ لأنهم يؤنثون الاسم المضاف إلى المؤنث ، وصدر القناة : أعلاها . وصدر الأمر : أوله . وصدر كل شيء : أوله . وكل ما واجهك : صدر ، وصدر الإنسان منه مذكر عن اللحياني ، وجمعه صدور ، ولا يكسر على غير ذلك . وقوله عز وجل : ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ؛ والقلب لا يكون إلا في الصدر ، إنما جرى هذا على التوكيد ، كما قال عز وجل : يقولون بأفواههم ؛ والقول لا يكون إلا بالفم لكنه أكد بذلك ، وعلى هذا قراءة من قرأ : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى . والصدرة : الصدر ، وقيل : ما أشرف من أعلاه . والصدر : الطائفة من الشيء . التهذيب : والصدرة من الإنسان ما أشرف من أعلى صدره ؛ ومنه الصدرة التي تلبس ؛ قال الأزهري : ومن هذا قول امرأة طائية كانت تحت امرئ القيس ففركته ، وقالت : إني ما علمتك إلا ثقيل الصدرة سريع الهدافة بطيء الإفاقة . والأصدر : الذي أشرفت صدرته . والمصدور : الذي يشتكي صدره ، وفي حديث ابن عبد العزيز : قال لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة : حتى متى تقول هذا الشعر ؟ فقال :


                                                          لا بد للمصدور من أن يسعلا

                                                          المصدور : الذي يشتكي صدره صدر ، فهو مصدور ، يريد : أن من أصيب صدره لا بد له أن يسعل ، يعني أنه يحدث للإنسان حال يتمثل فيه بالشعر ويطيب به نفسه ، ولا يكاد يمتنع منه . وفي حديث الزهري : قيل له : ابن عبيد الله يقول الشعر ، قال : ويستطيع المصدور أن لا ينفث ؟ أي لا يبزق ، شبه الشعر بالنفث لأنهما يخرجان من الفم . وفي حديث عطاء : قيل له : رجل مصدور ينهز قيحا أحدث هو ؟ قال : لا ، يعني يبزق قيحا . وبنات الصدر : خلل عظامه . وصدر يصدر صدرا : شكا صدره ؛ وأنشد :


                                                          كأنما هو في أحشاء مصدور

                                                          وصدر فلان فلانا يصدره صدرا : أصاب صدره . ورجل أصدر : عظيم الصدر ، ومصدر : قوي الصدر شديده ، وكذلك الأسد والذئب . وفي حديث عبد الملك : أتي بأسير مصدر ؛ هو العظيم الصدر . وفرس مصدر : بلغ العرق صدره . والمصدر من الخيل والغنم : الأبيض لبة الصدر ، وقيل : هو من النعاج السوداء الصدر وسائرها أبيض ؛ ونعجة مصدرة . ورجل بعيد الصدر : لا يعطف [ ص: 210 ] وهو على المثل . والتصدر : نصب الصدر في الجلوس . وصدر كتابه : جعل له صدرا ؛ وصدره في المجلس فتصدر . وتصدر الفرس وصدر كلاهما : تقدم الخيل بصدره . وقال ابن الأعرابي : المصدر من الخيل السابق ، ولم يذكر الصدر ؛ ويقال : صدر الفرس إذا جاء قد سبق وبرز بصدره وجاء مصدرا ؛ وقال طفيل الغنوي يصف فرسا :


                                                          كأنه بعدما صدرن من عرق     سيد تمطر جنح الليل مبلول

                                                          كأنه : الهاء لفرسه . بعدما صدرن : يعني خيلا سبقن بصدورهن . والعرق : الصف من الخيل ؛ وقال دكين :


                                                          مصدر لا وسط ولا بالي

                                                          وقال أبو سعيد في قوله : بعدما صدرن من عرق أي هرقن صدرا من العرق ولم يستفرغنه كله ؛ وروي عن ابن الأعرابي أنه قال : رواه بعدما صدرن ، على ما لم يسم فاعله أي أصاب العرق صدورهن بعدما عرق ، قال : والأول أجود ؛ وقول الفرزدق يخاطب جريرا :


                                                          وحسبت خيل بني كليب مصدرا     فغرقت حين وقعت في القمقام

                                                          يقول : اغتررت بخيل قومك وظننت أنهم يخلصونك من بحري فلم يفعلوا . ومن كلام كتاب الدواوين أن يقال : صودر فلان العامل على مال يؤديه أي فورق على مال ضمنه . والصدار : ثوب رأسه كالمقنعة وأسفله يغشي الصدر والمنكبين تلبسه المرأة ؛ قال الأزهري : وكانت المرأة الثكلى إذا فقدت حميمها فأحدت عليه لبست صدارا من صوف ؛ وقال الراعي يصف فلاة :


                                                          كأن العرمس الوجناء فيها     عجول خرقت عنها الصدارا

                                                          ابن الأعرابي : المجول الصدرة ، وهي الصدار والأصدة . والعرب تقول للقميص الصغير والدرع القصيرة : الصدرة ؛ وقال الأصمعي : يقال لما يلي الصدر من الدرع صدار . الجوهري : الصدار بكسر الصاد قميص صغير يلي الجسد . وفي المثل : كل ذات صدار خالة أي من حق الرجل أن يغار على كل امرأة كما يغار على حرمه . وفي حديث الخنساء : دخلت على عائشة وعليها خمار ممزق وصدار شعر ، الصدار : القميص القصير كما وصفناه أولا . وصدر القدم : مقدمها ما بين أصابعها إلى الحمارة . وصدر النعل : ما قدام الخرت منها . وصدر السهم : ما جاوز وسطه إلى مستدقه ، وهو الذي يلي النصل إذا رمي به ، وسمي بذلك ؛ لأنه المتقدم إذا رمي ، وقيل : صدر السهم ما فوق نصفه إلى المراش . وسهم مصدر : غليظ الصدر ، وصدر الرمح : مثله . ويوم كصدر الرمح : ضيق شديد . قال ثعلب : هذا يوم تخص به الحرب ؛ قال : وأنشدني ابن الأعرابي :


                                                          ويوم كصدر الرمح قصرت طوله     بليلي فلهاني وما كنت لاهيا

                                                          وصدور الوادي : أعاليه ومقادمه ، وكذلك صدائره عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          أأن غردت في بطن واد حمامة     بكيت ولم يعذرك في الجهل عاذر
                                                          تعالين في عبرية تلع الضحى     على فنن قد نعمته الصدائر

                                                          واحدها صادرة وصديرة . والصدر في العروض : حذف ألف فاعلن لمعاقبتها نون فاعلاتن ؛ قال ابن سيده : هذا قول الخليل ، وإنما حكمه أن يقول : الصدر الألف المحذوفة لمعاقبتها نون فاعلاتن . والتصدير : حزام الرحل والهودج . قال سيبويه : فأما قولهم التزدير فعلى المضارعة وليست بلغة ، وقد صدر عن البعير . والتصدير : الحزام ، وهو في صدر البعير ، والحقب عند الثيل . الليث : التصدير حبل يصدر به البعير إذا جر حمله إلى خلف ، والحبل اسمه التصدير ، والفعل التصدير . قال الأصمعي : وفي الرحل حزامة ، يقال له التصدير ، قال : والوضين للهودج والبطان للقتب ، وأكثر ما يقال الحزام للسرج . وقال الليث : يقال صدر عن بعيرك ، وذلك إذا خمص بطنه واضطرب تصديره فيشد حبل من التصدير إلى ما وراء الكركرة فيثبت التصدير في موضعه ، وذلك الحبل يقال له السناف . قال الأزهري : الذي قاله الليث أن التصدير حبل يصدر به البعير إذا جر حمله خطأ ، والذي أراده يسمى السناف ، والتصدير : الحزام نفسه . والصدار : سمة على صدر البعير . والمصدر : أول القداح الغفل التي ليست لها فروض ولا أنصباء ، إنما تثقل بها القداح كراهية التهمة ؛ هذا قول اللحياني . والصدر بالتحريك : الاسم ، من قولك صدرت عن الماء وعن البلاد . وفي المثل : تركته على مثل ليلة الصدر ، يعني حين صدر الناس من حجهم . وأصدرته فصدر أي رجعته فرجع والموضع مصدر ، ومنه مصادر الأفعال . وصادره على كذا . والصدر : نقيض الورد . صدر عنه يصدر صدرا ومصدرا ومزدرا ؛ الأخيرة مضارعة ؛ قال :


                                                          ودع ذا الهوى قبل القلى ترك ذي الهوى     متين القوى خير من الصرم مزدرا

                                                          وقد أصدر غيره وصدره والأول أعلى . وفي التنزيل العزيز : حتى يصدر الرعاء ؛ قال ابن سيده : فإما أن يكون هذا على نية التعدي كأنه قال حتى يصدر الرعاء إبلهم ثم حذف المفعول ، وإما أن يكون يصدر ههنا غير متعد لفظا ولا معنى ؛ لأنهم قالوا صدرت عن الماء فلم يعدوه . وفي الحديث : يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى ؛ الصدر بالتحريك : رجوع المسافر من مقصده والشاربة من الورد . يقال : صدر يصدر صدورا وصدرا ؛ يعني أنه يخسف بهم جميعهم فيهلكون بأسرهم خيارهم وشرارهم ، ثم يصدرون بعد الهلكة مصادر متفرقة على قدر أعمالهم ونياتهم ، ففريق في الجنة وفريق في السعير . وفي الحديث : للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر ؛ يعني مكة بعد أن يقضي نسكه . وفي الحديث : كانت له ركوة تسمى الصادر ؛ سميت به ؛ لأنه يصدر عنها بالري ؛ ومنه : فأصدرنا ركابنا أي صرفنا رواء فلم نحتج إلى المقام بها للماء . وما له صادر ولا وارد أي ما له [ ص: 211 ] شيء . وقال اللحياني : ما له شيء ، ولا قوم . وطريق صادر : معناه أنه يصدر بأهله عن الماء . ووارد : يرده بهم ؛ قال لبيد يذكر ناقتين :


                                                          ثم أصدرناهما في وارد     صادر ، وهم صواه قد مثل

                                                          أراد في طريق يورد فيه ويصدر عن الماء فيه . والوهم : الضخم ، وقيل : الصدر عن كل شيء . الرجوع . الليث : الصدر الانصراف عن الورد وعن كل أمر . يقال : صدروا وأصدرناهم . ويقال للذي يبتدئ أمرا ثم لا يتمه : فلان يورد ولا يصدر ، فإذا أتمه قيل : أورد وأصدر قال أبو عبيد : صدرت عن البلاد وعن الماء صدرا ، هو الاسم ، فإذا أردت المصدر جزمت الدال ؛ وأنشد لابن مقبل :


                                                          وليلة قد جعلت الصبح موعدها     صدر المطية حتى تعرف السدفا

                                                          قال ابن سيده : وهذا منه عي واختلاط ، وقد وضع منه بهذه المقالة في خطبة كتابه المحكم ، فقال : وهل أوحش من هذه العبارة أو أفحش من هذه الإشارة ؟ الجوهري : الصدر بالتسكين المصدر ، وقوله صدر المطية مصدر من قولك صدر يصدر صدرا . قال ابن بري : الذي رواه أبو عمرو الشيباني السدف ، قال : وهو الصحيح ، وغيره يرويه السدف جمع سدفة ، قال : والمشهور في شعر ابن مقبل ما رواه أبو عمرو ، والله أعلم . والصدر : اليوم الرابع من أيام النحر ؛ لأن الناس يصدرون فيه عن مكة إلى أماكنهم . وتركته على مثل ليلة الصدر أي لا شيء له . والصدر : اسم لجمع صادر ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          بأطيب منها إذا ما النجوم     أعنقن مثل هوادي الصدر

                                                          والأصدران : عرقان يضربان تحت الصدغين ، لا يفرد لهما واحد . وجاء يضرب أصدريه إذا جاء فارغا ، يعني عطفيه ، ويروى أسدريه بالسين وروى أبو حاتم : جاء فلان يضرب أصدريه وأزدريه أي جاء فارغا ، قال : ولم يدر ما أصله ؛ قال أبو حاتم : قال بعضهم أصدراه وأزدراه وأصدغاه ولم يعرف شيئا منهن . وفي حديث الحسن : يضرب أصدريه أي منكبيه ، ويروى بالزاي والسين . وقوله تعالى : حتى يصدر الرعاء ؛ أي يرجعوا من سقيهم ، ومن قرأ يصدر ، أراد يردون مواشيهم . وقوله عز وجل : يومئذ يصدر الناس أشتاتا ؛ أي يرجعون . يقال : صدر القوم عن المكان أي رجعوا عنه وصدروا إلى المكان صاروا إليه ؛ قال : قال ذلك ابن عرفة . والوارد : الجائي ، والصادر : المنصرف . التهذيب : قال الليث : المصدر أصل الكلمة التي تصدر عنها صوادر الأفعال وتفسيره أن المصادر كانت أول الكلام كقولك : الذهاب والسمع والحفظ ، وإنما صدرت الأفعال عنها ، فيقال : ذهب ذهابا وسمع سمعا وسماعا وحفظ حفظا ؛ قال ابن كيسان : اعلم أن المصدر المنصوب بالفعل الذي اشتق منه مفعول ، وهو توكيد للفعل ، وذلك نحو قمت قياما وضربته ضربا ، إنما كررته ، وفي قمت دليل لتوكيد خبرك على أحد وجهين : أحدهما أنك خفت أن يكون من تخاطبه لم يفهم عنك أول كلامك ، غير أنه علم أنك قلت فعلت فعلا ، فقلت فعلت فعلا لتردد اللفظ الذي بدأت به مكررا عليه ليكون أثبت عنده من سماعه مرة واحدة ، والوجه الآخر أن تكون أردت أن تؤكد خبرك عند من تخاطبه بأنك لم تقل قمت ، وأنت تريد غير ذلك فرددته لتوكيد أنك قلته على حقيقته ، قال : فإذا وصفته بصفة لو عرفته دنا من المفعول به ؛ لأنه فعلته نوعا من أنواع مختلفة خصصته بالتعريف كقولك : قلت قولا حسنا ، وقمت القيام الذي وعدتك . وصادر : موضع ، وكذلك برقة صادر ؛ قال النابغة :


                                                          لقد قلت للنعمان حين لقيته     يريد بني حن ببرقة صادر

                                                          وصادرة : اسم سدرة معروفة . ومصدر : من أسماء جمادى الأولى ؛ قال ابن سيده : أراها عادية .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية