الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صدع

                                                          صدع : الصدع : الشق في الشيء الصلب كالزجاجة والحائط وغيرهما ، وجمعه صدوع ؛ قال قيس بن ذريح :


                                                          أيا كبدا طارت صدوعا نوافذا ويا حسرتا ماذا تغلغل بالقلب ؟

                                                          ذهب فيه إلى أن كل جزء منها صار صدعا ، وتأويل الصدع في الزجاج أن يبين بعضه من بعض . وصدع الشيء يصدعه صدعا وصدعه فانصدع وتصدع : شقه بنصفين ، وقيل : صدعه شقه ولم يفترق . وقوله عز وجل : يومئذ يصدعون ؛ قال الزجاج : معناه يتفرقون فيصيرون فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير ، وأصلها يتصدعون ، فقلب التاء صادا وأدغمت في الصاد ، وكل نصف منه صدعة وصديع ؛ قال ذو الرمة :


                                                          عشية قلبي في المقيم صديعه     وراح جناب الظاعنين صديع

                                                          وصدعت الغنم صدعتين بكسر الصاد أي فرقتين ، وكل واحدة منهما صدعة ؛ ومنه الحديث : أن المصدق يجعل الغنم صدعين ثم يأخذ منهما الصدقة أي فرقين ؛ وقول قيس بن ذريح :


                                                          فلما بدا منها الفراق كما بدا     بظهر الصفا الصلد الشقوق الصوادع

                                                          يجوز أن يكون صدع في معنى تصدع لغة ولا أعرفها ، ويجوز أن يكون على النسب أي ذات انصداع وتصدع . وصدع الفلاة والنهر يصدعهما صدعا وصدعهما : شقهما وقطعهما على المثل ؛ قال لبيد :


                                                          فتوسطا عرض السري وصدعا     مسجورة متجاورا قلامها

                                                          وصدعت الفلاة أي قطعتها في وسط جوزها . والصدع : نبات الأرض ؛ لأنه يصدعها يشقها فتنصدع به . وفي التنزيل : والأرض ذات الصدع ؛ قال ثعلب : هي الأرض تنصدع بالنبات . وتصدعت [ ص: 212 ] الأرض بالنبات : تشققت . وانصدع الصبح : انشق عنه الليل . والصديع : الفجر لانصداعه ؛ قال عمرو بن معد يكرب :


                                                          ترى السرحان مفترشا يديه     كأن بياض لبته صديع

                                                          ويسمى الصبح صديعا ، كما يسمى فلقا ، وقد انصدع ، وانفجر ، وانفلق ، وانفطر إذا انشق . والصديع : انصداع الصبح والصديع : الرقعة الجديدة في الثوب الخلق كأنها صدعت أي شقت . والصديع : الثوب المشقق . والصدعة : القطعة من الثوب تشق منه ؛ قال لبيد :


                                                          دعي اللوم أو بيني كشق صديع

                                                          قال بعضهم : هو الرداء الذي شق صدعين يضرب مثلا لكل فرقة لا اجتماع بعدها . وصدعت الشيء : أظهرته وبينت ؛ ومنه قول أبي ذؤيب :


                                                          وكأنهن ربابة وكأنه     يسر يفيض على القداح ويصدع

                                                          وصدع الشيء فتصدع : فرقه فتفرق . والتصديع : التفريق . وفي حديث الاستسقاء : فتصدع السحاب صدعا أي تقطع وتفرق . يقال : صدعت الرداء صدعا إذا شققته ، والاسم الصدع بالكسر ، والصدع في الزجاجة بالفتح ، ومنه الحديث : فأعطاني قبطية ، وقال : اصدعها صدعين أي شقها بنصفين . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فصدعت منه صدعة فاختمرت بها . وتصدع القوم : تفرقوا . وفي الحديث : فقال بعدما تصدع القوم كذا وكذا أي بعدما تفرقوا ، وقوله :


                                                          فلا يبعدنك الله خير أخي امرئ     إذا جعلت نجوى الرجال تصدع

                                                          معناه تفرق فتظهر وتكشف . وصدعتهم النوى وصدعتهم : فرقتهم ، والتصداع تفعال من ذلك ؛ قال قيس بن ذريح :


                                                          إذا افتلتت منك النوى ذا مودة     حبيبا بتصداع من البين ذي شعب

                                                          .

                                                          ويقال : رأيت بين القوم صدعات أي تفرقا في الرأي والهوى . ويقال : أصلحوا ما فيكم من الصدعات أي اجتمعوا ولا تتفرقوا . ابن السكيت : الصدع الفصل ؛ وأنشد لجرير :


                                                          هو الخليفة فارضوا ما قضى لكم     بالحق يصدع ما في قوله جنف

                                                          .

                                                          قال : يصدع يفصل وينفذ ؛ وقال ذو الرمة :


                                                          فأصبحت أرمي كل شبح وحائل     كأني مسوي قسمة الأرض صادع

                                                          يقول : أصبحت أرمي بعيني كل شبح وهو الشخص . وحائل : كل شيء يتحرك يقول : لا يأخذني في عيني كسر ، ولا انثناء كأني مسو يقول : كأني أريك قسمة هذه الأرض بين أقوام . صادع : قاض يصدع يفرق بين الحق والباطل . والصداع : وجع الرأس ، وقد صدع الرجل تصديعا ، وجاء في الشعر صدع بالتخفيف ، فهو مصدوع . والصديع : الصرمة من الإبل والفرقة من الغنم . وعليه صدعة من مال أي قليل . والصدعة والصديع : نحو الستين من الإبل ، وما بين العشرة إلى الأربعين من الضأن ، والقطعة من الغنم إذا بلغت ستين ، وقيل : هو القطيع من الظباء والغنم . أبو زيد : الصرمة والقصلة والحدرة ما بين العشرة إلى الأربعين من الإبل ، فإذا بلغت ستين فهي الصدعة ؛ قال المرار :


                                                          إذا أقبلن هاجرة أثارت     من الأظلال إجلا أو صديعا

                                                          ورجل صدع بالتسكين ، وقد يحرك : وهو الضرب الخفيف اللحم . والصدع والصدع : الفتي الشاب القوي من الأوعال والظباء والإبل والحمر ، وقيل : هو الوسط منها ؛ قال الأزهري : الصدع الوعل بين الوعلين . ابن السكيت : لا يقال في الوعل إلا صدع بالتحريك وعل بين الوعلين ، وهو الوسط منها ليس بالعظيم ولا الصغير ، وقيل : هو الشيء بين الشيئين من أي نوع كان بين الطويل والقصير والفتي والمسن والسمين والمهزول والعظيم والصغير ؛ قال :


                                                          يا رب أباز من العفر صدع     تقبض الذئب إليه واجتمع

                                                          ويقال : هو الرجل الشاب المستقيم القناة . وفي حديث عمر رضي الله عنه حين سأل الأسقف عن الخلفاء ، فلما انتهى إلى نعت الرابع ، قال : صدع من حديد ، فقال عمر : وادفراه ، قال شمر : قوله صدع من حديد ، يريد كالصدع من الوعول المدمج الشديد الخلق الشاب الصلب القوي ، وإنما يوصف بذلك لاجتماع القوة فيه والخفة شبهه في نهضته إلى صعاب الأمور وخفته في الحروب حتى يفضى الأمر إليه بالوعل لتوقله في رءوس الجبال ، وجعله من حديد مبالغة في وصفه بالشدة والبأس والصبر على الشدائد ، وكان حماد بن زيد يقول : صدأ من حديد . قال الأصمعي : وهذا أشبه لأن الصدأ له دفر ، وهو النتن . وقال الكسائي : رأيت رجلا صدعا ، وهو الربعة القليل اللحم . وقال أبو ثروان : تقول إنهم على ما ترى من صداعتهم لكرام . وفي حديث حذيفة : فإذا صدع من الرجال ، فقلت : من هذا الصدع ، يعني هذا الربعة في خلقه رجل بين الرجلين ، وهو كالصدع من الوعول وعل بين الوعلين . والصديع : القميص بين القميصين لا بالكبير ولا بالصغير . وصدعت الشيء : أظهرته وبينته ؛ ومنه قول أبي ذؤيب :


                                                          يسر يفيض على القداح ويصدع

                                                          ورجل صدع : ماض في أمره . وصدع بالأمر يصدع صدعا : أصاب به موضعه وجاهر به . وصدع بالحق : تكلم به جهارا . وفي التنزيل : فاصدع بما تؤمر ؛ قال بعض المفسرين : اجهر بالقرآن ، وقال ابن مجاهد أي بالقرآن ، وقال أبو إسحاق : أظهر ما تؤمر به ، ولا تخف أحدا ، أخذ من الصديع وهو الصبح ، وقال الفراء : أراد عز وجل فاصدع بالأمر الذي أظهر دينك ، أقام ما مقام المصدر ، وقال ابن عرفة : أي فرق بين الحق والباطل من قوله عز وجل : يومئذ يصدعون ؛ أي يتفرقون ، وقال ابن الأعرابي في قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر [ ص: 213 ] ؛ أي شق جماعتهم بالتوحيد ، وقال غيره : فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى . قال ثعلب : سمعت أعرابيا كان يحضر مجلس ابن الأعرابي يقول معنى اصدع بما تؤمر أي اقصد ما تؤمر ، والعرب تقول اصدع فلانا أي اقصده ؛ لأنه كريم . ودليل مصدع : ماض لوجهه . وخطيب مصدع : بليغ جريء على الكلام . قال أبو زيد : هم إلب عليه وصدع واحد ، وكذلك هم وعل عليه وضلع واحد إذا اجتمعوا عليه بالعداوة ، والناس علينا صدع واحد أي مجتمعون بالعداوة . وصدعت إلى الشيء أصدع صدوعا : ملت إليه . وما صدعك عن هذا الأمر صدعا أي صرفك . والمصدع : طريق سهل في غلظ من الأرض . وجبل صادع : ذاهب في الأرض طولا ، وكذلك سبيل صادع وواد صادع ، وهذا الطريق يصدع في أرض كذا وكذا . والمصدع : المشقص من السهام .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية