الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ( 35 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد المشركين وتجبنوا عن قتالهم .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى; [ ص: 188 ] وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فلا تهنوا ) قال : لا تضعفوا .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فلا تهنوا ) لا تضعف أنت .

وقوله ( وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ) يقول : لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة ، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم ( والله معكم ) يقول : والله معكم بالنصر لكم عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله ( وأنتم الأعلون ) فقال بعضهم : معناه : وأنتم أولى بالله منهم . وقال بعضهم مثل الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك ، وقال معنى قوله ( وأنتم الأعلون ) أنتم أولى بالله منهم .

حدثني أحمد بن المقدام قال : ثنا المعتمر قال : سمعت أبي يحدث ، عن قتادة في قوله ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) قال : أي لا تكونوا أولى الطائفتين تصرع .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) قال : لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت لصاحبتها ، ودعتها إلى الموادعة ، وأنتم أولى بالله منهم والله معكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ) قال : لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت إلى صاحبتها ( وأنتم الأعلون ) قال : يقول : وأنتم أولى بالله منهم .

ذكر من قال معنى قوله ( وأنتم الأعلون ) : أنتم الغالبون الأعز منهم .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى; [ ص: 189 ] وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نحيح ، عن مجاهد قوله ( وأنتم الأعلون ) قال : الغالبون مثل يوم أحد ، تكون عليهم الدائرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، فى قوله ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ) قال : هذا منسوخ ، قال : نسخه القتال والجهاد ، يقول : لا تضعف أنت وتدعوهم أنت إلى السلم وأنت الأعلى ، قال : وهذا حين كانت العهود والهدنة فيما بينه وبين المشركين قبل أن يكون القتال ، يقول : لا تهن فتضعف ، فيرى أنك تدعو إلى السلم وأنت فوقه ، وأعز منه ( وأنتم الأعلون ) أنتم أعز منهم ، ثم جاء القتال بعد فنسخ هذا أجمع ، فأمره بجهادهم والغلظة عليهم . وقد قيل : عنى بقوله ( وأنتم الأعلون ) وأنتم الغالبون آخر الأمر ، وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، وقهروكم في بعض الحروب .

وقوله ( فلا تهنوا ) جزم بالنهي ، وفي قوله ( وتدعوا ) وجهان : أحدهما الجزم على العطف على تهنوا ، فيكون معنى الكلام : فلا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم ، والآخر النصب على الصرف .

وقوله ( ولن يتركم أعمالكم ) يقول : ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها ، من قولهم : وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلا فأخذت له مالا غصبا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ولن يتركم أعمالكم ) يقول : لن يظلمكم أجور أعمالكم .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى; [ ص: 190 ] وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( ولن يتركم أعمالكم ) قال : لن ينقصكم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولن يتركم أعمالكم ) : أي لن يظلمكم أعمالكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولن يتركم أعمالكم ) قال : لن يظلمكم أعمالكم ذلك يتركم .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ولن يتركم أعمالكم ) قال : لن يظلمكم أعمالكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية