الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الحسيني

                                                                                      الإمام ، الحافظ ، المجود ، السيد الكبير ، المرتضى ، ذو الشرفين ، أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد بن علي العلوي ، الحسيني ، البغدادي ، نزيل سمرقند .

                                                                                      ولد سنة خمس وأربعمائة .

                                                                                      وسمع أبا علي بن شاذان ، وأبا القاسم الحرفي وأحمد بن عبد الله بن المحاملي ، وطلحة بن الصقر ، وأبا بكر البرقاني ، ومحمد بن عيسى الهمذاني ، وعبد الملك بن بشران الواعظ ، وابن غيلان ، وطبقتهم ، واختص بالخطيب ، ولازمه . [ ص: 521 ]

                                                                                      وصنف وجمع ، وكان كبير القدر ، كامل السؤدد ، كثير الأموال ، يرجع إلى عقل ورأي وعلم وافر ، ونعمة جسيمة .

                                                                                      حدث عنه : شيخه جعفر بن محمد المستغفري ، وأبو بكر الخطيب ، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد ، وزاهر بن طاهر الشحامي ، وهبة الله بن سهل السيدي ، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري ، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحيري ، وأبو الفتح أحمد بن الحسين الأديب ، لكن هذا بالإجازة ، وآخر من بقي من أصحابه : الخطيب أبو المعالي المديني .

                                                                                      قال أبو سعد السمعاني : هو أفضل علوي في عصره ، له المعرفة التامة بالحديث ، وكان يرجع إلى عقل وافر ورأي صائب ، برع بأبي بكر الخطيب في الحديث ، نقل عنه الخطيب - أظن في كتاب " البخلاء " - رزق حسن التصنيف ، وسكن في آخر عمره سمرقند ، ثم قدم بغداد ، وأملى بها ، وحدث بأصبهان ، ثم رجع إلى سمرقند .

                                                                                      سمعت يوسف بن أيوب الزاهد يقول : ما رأيت علويا أفضل منه . وأثنى عليه ، وكان من الأغنياء للمذكورين ، وكان كثير الإيثار ، ينفذ في العام إلى جماعة من الأئمة الألف دينار والخمس مائة وأكثر إلى كل واحد ، فربما بلغ ذلك عشرة ألاف دينار ، ويقول : هذه زكاة مالي ، وأنا غريب ، ففرقوا على من تعرفون استحقاقه ، وكل من أعطيتموه ; فاكتبوا له خطا ، وأرسلوه حتى أعطيه من عشر الغلة . قال : وكان يملك قريبا من أربعين قرية خالصة له بنواحي كس وله في كل قرية وكيل أميز من رئيس بسمرقند . [ ص: 522 ]

                                                                                      هذا قول السمعاني ، ولقد بالغ ، فهذا في رتبة ملك ، ومثل هذا يصلح للخلافة .

                                                                                      ثم قال أبو سعد : وسمعت أبا المعالي محمد بن نصر الخطيب يقول ذلك ، وكان من أصحاب الشريف . وسمعته يقول : إن الشريف أنشأ بستانا عظيما ، فطلب صاحب ما وراء النهر الخاقان خضر أن يحضر دعوته في البستان ، فقال الشريف للحاجب : لا سبيل إلى ذلك . فألح عليه ، فقال : لكني لا أحضر ، ولا أهيئ له ألة الفسق والفساد ، ولا أعصي الله - تعالى . قال : فغضب الخاقان ، وأراد أن يقبض عليه ، فاختفى عند وكيل له نحوا من شهر ، فنودي عليه في البلد ، فلم يظفروا به ، ثم أظهروا ندما على ما فعلوا ليطمئن ، وألح عليه أهله في الظهور ، فجلس على ما كان مدة ، ثم إن الملك نفذ إليه ليشاوره في أمر ، فلما حصل عنده ، أخذه وسجنه ، ثم استأصل أمواله وضياعه ، فصبر ، وحمد الله ، وقال : من يكون من أهل البيت لا بد أن يبتلى ، وأنا ربيت في النعمة ، وكنت أخاف أن يكون وقع في نسبي خلل ، فلما جرى هذا ، فرحت ، وعلمت أن نسبي متصل .

                                                                                      قال لي أبو المعالي الخطيب : فسمعنا أنهم منعوه من الطعام حتى مات جوعا ، وهو من ذرية زين العابدين علي بن الحسين .

                                                                                      قال أبو سعد : قال أبو العباس الجوهري : رأيت السيد المرتضى بعد موته وهو في الجنة وبين يديه طعام ، وقيل له : ألا تأكل ؟ قال : لا ، حتى [ ص: 523 ] يجيء ابني ، فإنه غدا يجيء . قال : فانتبهت ، وذلك في رمضان سنة اثنتين وتسعين ، فقتل ولده السيد أبو الرضا في ذلك اليوم .

                                                                                      قال : وتوفي المرتضى بعد سنة ست وسبعين وقيل : قتل في سنة ثمانين وأربعمائة قتله الخاقان خضر بن إبراهيم ، وكان قد نفذه الخاقان رسولا إلى القائم بأمر الله .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي ، أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد ، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد الصوفي ، أخبرنا المرتضى أبو المعالي محمد بن محمد العلوي ، أخبرنا عمر بن إبراهيم بن إسماعيل الهروي الزاهد ، أخبرنا منصور بن العباس البوشنجي ، حدثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحصيري ، حدثنا أبو حفص الأبلي عمر ، حدثنا عيسى بن شعيب ، حدثنا روح بن القاسم ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم لا ينفع ككنز لا ينفق في سبيل الله - عز وجل .

                                                                                      عيسى لا يوثق به . [ ص: 524 ]

                                                                                      وبه إلى المرتضى : أخبرنا أبو الحسن علي بن طلحة البصري ، حدثنا صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن عمروس ، حدثنا أبو عبد الله الجرجاني ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار قال : الربانيون : العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار .

                                                                                      وبه : أخبرنا الحسن الفارسي - يعني ابن شاذان - أخبرنا أبو سهل القطان ، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا ابن عبدة ، حدثنا حفص بن جميع ، عن سماك ، عن محمد بن المنكدر قال : قال ابن عباس يرفعه : إن أقرب الناس درجة من درجة النبوة أهل الجهاد وأهل العلم ، أما أهل العلم ، فقالوا ما جاءت به الأنبياء ، وأما أهل الجهاد ، فجاهدوا على ما جاءت به الأنبياء .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية