الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

                                                                                                                                                                                                                                        (19) أي: أمر الله تعالى آدم وزوجته حواء، التي أنعم الله بها عليه ليسكن إليها، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا، إلا أنه عين لهما شجرة، ونهاهما عن أكلها، والله أعلم ما هي، وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرم عليهما أكلها، بدليل قوله: فتكونا من الظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                        (20) فلم يزالا ممتثلين لأمر الله، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، [ ص: 538 ] فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها، وموه عليهما وقال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أي: من جنس الملائكة أو تكونا من الخالدين ، كما قال في الآية الأخرى : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى .

                                                                                                                                                                                                                                        (21) ومع قوله هذا أقسم لهما بالله إني لكما لمن الناصحين أي: من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، (22) فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل، فدلاهما أي: أنزلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها.

                                                                                                                                                                                                                                        فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خجلا وجعلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        وناداهما ربهما وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين فلم اقترفتما المنهي، وأطعتما عدوكما؟

                                                                                                                                                                                                                                        (23) فحينئذ من الله عليهما بالتوبة وقبولها، فاعترفا بالذنب، وسألا من الله مغفرته فقالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين أي: قد فعلنا الذنب، الذي نهيتنا عنه، وأضررنا بأنفسنا باقتراف الذنب، وقد فعلنا سبب الخسار إن لم تغفر لنا، بمحو أثر الذنب وعقوبته، وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا.

                                                                                                                                                                                                                                        فغفر الله لهما ذلك وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى .

                                                                                                                                                                                                                                        هذا وإبليس مستمر على طغيانه غير مقلع عن عصيانه فمن أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع - إذا صدرت منه الذنوب - اجتباه ربه وهداه.

                                                                                                                                                                                                                                        ومن أشبه إبليس - إذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي - فإنه لا يزداد من الله إلا بعدا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية