الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد أي اذكر أو أنذر يوم إلخ . فيوم . مفعول به لمقدر ، وقيل : هو ظرف . لظلام ، وقال الزمخشري : يجوز أن ينتصب بـ نفخ . كأنه قيل : ونفخ في الصور يوم ، وعليه يشار بذلك إلى يوم نقول لأن الإشارة إلى ما بعد جائزة لا سيما إذا كانت رتبته التقديم فكأنه قيل : ذلك اليوم أي يوم القول يوم الوعيد ، ولا يحتاج إلى حذف على ما مر في الوجه الذي أشير به إلى النفخ .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الوجه كما قال في الكشف : فيه بعد لبعده عن العامل وتخلل ما لا يصلح اعتراضا على أن زمان النفخ ليس يوم القول إلا على سبيل فرضه ممتدا واقعا ذلك في جزء منه وهذا في جزء وكل خلاف الظاهر فكيف إذا اجتمعت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو حيان : هو بعيد جدا قد فصل عليه بين العامل والمعمول بجمل كثيرة فلا يناسب فصاحة القرآن الكريم وبلاغته ، والظاهر إبقاء السؤال والجواب على حقيقتهما ، وكذا في نظير ذلك من اشتكاء النار والإذن لها بنفسين وتحاج النار والجنة ، ونحن متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم لا يمنع مانع ولا مانع هاهنا ، فإن القدرة صالحة والعقل مجوز والظواهر قاضية بوقوع ما جوزه العقل ، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الرماني : الكلام على حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم ، وليس بشيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال غير واحد : هو من باب التمثيل والمعنى أنها مع اتساعها وتباعد أقطارها نطرح فيها من الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتلئ ولا تقبل الزيادة ، فالاستفهام للإنكار أي لا مزيد على امتلائها وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد والحسن ، وجوز في نفي الزيادة أن يكون على ظاهره وأن يكون كناية أو مجازا عن الاستكثار ، وقيل : المعنى أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلو ، فالاستفهام للتقرير أي فيها موضع للمزيد لسعتها ، وجوز أن يكون ذلك كناية عن شدة غيظها على العصاة كأنها طالبة لزيادتهم . واستشكل دعوى أن فيها فراغا بأنه مناف لصريح قوله تعالى : لأملأن جهنم الآية . وأجيب بأنه [ ص: 188 ] لا منافاة لأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال : إن البلدة ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية أو أن ذلك باعتبار حالين فالفراغ في أول الدخول فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ ، هذا ويدل غير ما حديث أنها تطلب الزيادة حقيقة إلا أنه لا يدري حقيقة ما يوضع فيها حتى تمتلئ إذ الأحاديث في ذلك من المتشابهات التي لا يراد بها ظواهرها عند الأكثرين

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن أنس قال : (قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة).

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال : (قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : تحاجت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله تعالى ينشئ لها خلقا).

                                                                                                                                                                                                                                      وأول أهل التأويل ذلك ، فقال النضر بن شميل : إن القدم الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله تعالى : قدم صدق وظاهر الحديث عليه يستدعي دخول غير الكفار قبلهم وهو في غاية البعد ولعل في الأخبار ما ينافيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الأثير : قدمه أي الذين قدمهم لها من شرار خلقه فهم قدم الله تعالى للنار كما أن المسلمين قدمه للجنة والقدم كل ما قدمت من خير أو شر وهو كما ترى ، ويبعده ما في حديث أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد مرفوعا: (فيلقى فيها ، أي النار ، أهلها فتقول : هل من مزيد ويلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليه فتنزوي وتقول : قدني قدني).

                                                                                                                                                                                                                                      وأولوا الرجل بالجماعة ومنه ما جاء في أيوب عليه السلام أنه كان يغتسل عريانا فخر عليه رجل من جراد ، والإضافة إلى ضميره تعالى تبعد ذلك ، وقيل : وضع القدم أو الرجل على الشيء مثل للردع والقمع فكأنه قيل : يأتيها أمر الله تعالى فيكفها من طلب المزيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقريب منه ما ذهب إليه بعض الصوفية أن القدم يكنى بها عن صفة الجلال كما يكنى بها عن صفة الجمال ، وقيل : أريد بذلك تسكين فورتها كما يقال للأمر تريد إبطاله: وضعته تحت قدمي أو تحت رجلي ، وهذان القولان أولى مما تقدم والله تعالى أعلم . والمزيد إما مصدر ميمي كالمحيد أو اسم مفعول أعل إعلال المبيع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعرج وشيبة ونافع وأبو بكر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعمش (يوم يقول) بياء الغيبة ، وقرأ عبد الله والحسن والأعمش أيضا (يقال) . مبنيا للمفعول .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية