الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية المدحة والمداحين

                                                                                                          2393 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد عن أبي معمر قال قام رجل فأثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثو في وجهه التراب وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روى زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس وحديث مجاهد عن أبي معمر أصح وأبو معمر اسمه عبد الله بن سخبرة والمقداد بن الأسود هو المقداد بن عمرو الكندي ويكنى أبا معبد وإنما نسب إلى الأسود بن عبد يغوث لأنه كان قد تبناه وهو صغير

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية المدحة والمداحين ) قال في القاموس : مدحه كمنعه مدحا ومدحة : أحسن الثناء عليه ، كمدحه وامتدحه ، والمديح والمدحة والأمدوحة ما يمدح به ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحثو في وجوه المداحين التراب ) قيل : يؤخذ التراب ويرمى به في وجه المداح عملا بظاهر الحديث ، وقيل : معناه الأمر بدفع المال إليهم إذ المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب ، أي أعطوهم إياه واقطعوا به ألسنتهم لئلا يهجوكم وقيل معناه أعطوهم عطاء قليلا فشبه لقلته بالتراب . وقيل المراد منه أن يخيب المادح ولا يعطيه شيئا لمدحه والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح ؛ لأنه يجعل الشخص مغرورا ومتكبرا . قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح . فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ، والأمر المحمود يكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء على أشباهه فليس بمداح . وفي شرح الستة : قد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثه في وجه المادح وقد يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه ، كنى بالتراب عن الحرمان كقولهم : ما في يده غير التراب وكقوله -صلى الله عليه وسلم- : إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا .

                                                                                                          قلت : الأولى أن يحمل الحديث على ظاهره كما حمله عليه رواية المقداد بن الأسود ، وإلا فالأولى أن يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان ، وأما ما سواه من التأويل ففيه بعد كما لا يخفى والله أعلم . وقال الغزالي : في المدح ست آفات أربع على المادح واثنتان على الممدوح ، أما [ ص: 63 ] المادح فقد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كذابا ، وقد يظهر فيه من الحب ما لا يعتقده فيكون منافقا ، وقد يقول له ما لا يتحققه فيكون مجازفا ، وقد يفرح الممدوح به وربما كان ظالما فيعصى بإدخال السرور عليه ، وأما الممدوح فيحدث فيه كبرا وإعجابا وقد يفرح فيفسد العمل .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه الترمذي في هذا الباب .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود وابن ماجه كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( وحديث مجاهد عن أبي معمر أصح ) لأن حبيب بن أبي ثابت الذي رواه عن مجاهد ثقة فقيه جليل . وأما يزيد بن أبي زياد الذي رواه عن مجاهد عن ابن عباس فهو ضعيف ، كبر فتغير وصار يتلقن .




                                                                                                          الخدمات العلمية