الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 332 ] 456 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين : أنها حق وفي الاغتسال لمن بلي بها .

2892 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، قال : حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر ، سبقت العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا .

2893 - حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، قال : حدثنا عبثر بن القاسم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانوا يأمرون المعين فيتوضأ ، فيغسل به المعان .

[ ص: 333 ] قال أبو جعفر : هكذا حدثناه علي ، فقال : المعين ، والمعان ، والذي نحفظه من أهل اللغة أن الفاعل من العين : عائن ، والمفعول به : معيون ، وينشد :


قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون

وربما رد بعضهم المفعول منه إلى فعيل ، مثل مكيل ومبيع ، ونحو ذلك ، فيقولون : معين .

2894 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : مر عامر بن ربيعة على سهل بن حنيف ، وهو يغتسل ، فقال سهل : لم أر كاليوم ، ولا جلد مخبأة ، فما لبث أن لبط به ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : أدرك سهلا صريعا ، فقال : من تتهمون به ؟ فقالوا : عامر ، فقال : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى ما يعجبه فليدع بالبركة ، وأمر عامرا أن يتوضأ له ويغسل وجهه ويديه وركبتيه وداخلة إزاره ويصب عليه ، ويكفئ الإناء من خلفه ، قال لنا سفيان : وقالوا عن [ ص: 334 ] الزهري ، ولم أحفظ : فراح مع الموكب .

2895 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، ثم ذكر مثله ، وزاد : فراح سهل مع الناس ليس به بأس .

قال لنا يونس : قال لنا ابن وهب : قال مالك : داخلة الإزار : التي تحت الإزار مما يلي الجسد .

2895 م - حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول : [ ص: 335 ] اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار ، فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ينظر قال : وكان سهل أبيض ، حسن الجلد ، فقال له عامر : ما رأيت كاليوم قط ، ولا جلد عذراء ، ثم ذكر بقية الحديث .

2896 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه أن عامرا مر به ، وهو يغتسل ، ثم ذكر نحوه .

2897 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أنبأنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا عمر بن عبد الرحمن ، عن جعفر ، وهو ابن برقان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، [ ص: 336 ] عن عامر بن ربيعة أنه رأى سهل بن حنيف ، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة يغتسل ، ثم ذكر نحوه .

2898 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : حدثني أبو أمامة ، ثم ذكر مثل حديث يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، وزاد : قال محمد بن مسلم : والغسل الذي أدركنا عليه علماءنا يصفونه : أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه القدح ، فيه الماء ، فيمسك له مرفوعا من الأرض ، فيدخل الذي يعين صاحبه يده اليمنى في الماء ، فيصب على وجهه منه واحدة في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى في الماء ، فيغسل يده اليمنى إلى المرفق بيده اليسرى منه واحدة في القدح ، ثم يدخل يده اليمنى ، فيغسل يده اليسرى إلى المرفق صبة واحدة في القدح ، ثم يدخل يديه جميعا في الماء ، فيغسل صدره صبة واحدة في القدح ، ثم يدخل يده فيمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى فيغرف من الماء ، فيصبه على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى ، فيصب على مرفق يده منه واحدة في القدح ، وهو ثان يده إلى عنقه ، ثم يفعل مثل ذلك في [ ص: 337 ] مرفق يده اليسرى ، ثم يفعل ذلك على ظاهر قدمه اليمنى من عند أصول الأصابع ، واليسرى كذلك ، ثم يدخل يده اليسرى ، فيصب على ظهر ركبته اليمنى ، ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ، ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى في الماء ، ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح حتى يصبه على رأس المعيون من ورائه ، ثم يكفأ القدح على وجه الأرض وراءه .

2899 - حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، قال : حدثنا سلامة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة ، ثم ذكر نحوه على ما في هذا الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى ما فيه من صفة الغسل ، ولا نعلمه روي في الاغتسال من العين غير ما قد ذكرناه في هذا الباب فيه ، فأما ما روي في العين أنها حق مما ليس فيه ذكر الغسل ، فقد رويت ذلك في آثار .

[ ص: 338 ]

2900 - منها ما قد حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن جابر الأنصاري ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس .

2901 - ومنها ما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان ، يعني : الرهاوي ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى ، عن أمية بن هند ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال : خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر ، فأصبنا غديرا خمرا ، فكان أحدنا يستحيي أن يتجرد وأحد يراه ، واستتر حتى إذا رأى أنه قد فعل نزع جبة صوف عليه ، فنظرت إليه ، فأعجبني خلقه فأصبته بعين ، فأخذته قعقعة فدعوته ، فلم يجبني ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : قوما ، فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء ، فكأني [ ص: 339 ] أنظر إلى وضح ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضرب صدره ، وقال : بسم الله ، اللهم أذهب حرها وبردها ووصبها ، قف بإذن الله ، فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئا يعجبه ، فليدع بالبركة ، فإن العين حق .

[ ص: 340 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهل بالدعاء ، وفي حديث أبي أمامة أمره عامرا بالاغتسال له ، وقد يحتمل أن يكون جمعهما له جميعا ، وقد يحتمل أن يكون كان ذلك مرتين أدرك سهلا في كل واحدة منهما من عامر ما أدركه منه ، ففعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل واحدة منهما ما فعل فيها من دعاء ، ومن أمر باغتسال ، ويحتمل أن يكون الاغتسال كان ، ثم نسخ بغيره .

2902 - مما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، وإبراهيم بن أبي داود جميعا قالا : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، قال : حدثنا عباد ، يعني : ابن العوام ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعين الإنس ، فلما نزلت المعوذتان أخذهما ، وترك ما سوى ذلك .

[ ص: 341 ] وقد روي منها أيضا :

2903 - ما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن معبد بن خالد ، قال : سمعت عبد الله بن شداد يحدث ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسترقي من العين .

2904 - ومنها ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، وفهد بن سليمان بن يحيى قالا : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرقاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فقال : بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، ومن كل حاسد وعين ، والله يشفيك .

[ ص: 342 ] قال : ففي هذه الآثار الاكتفاء بالمعوذتين ، وبالرقى ، وفي ذلك ما قد دل على نسخ الغسل ، لا سيما ما في حديث عباد ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من عين الجان ، وعين الإنس ، فلما نزلت المعوذتان أخذهما ، وترك ما سوى ذلك ، ففيه نسخ الغسل ، وما سواه مما كان يفعله صلى الله عليه وسلم قبل نزولهما عليه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية