الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            51 - رفع الخدر عن قطع السدر

            بسم الله الرحمن الرحيم

            قال أبو داود في سننه : باب في قطع السدر ، ثنا نصر بن علي ، ثنا أبو أسامة ، عن ابن جريج ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن عبد الله بن حبشي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " أخرجه أبو مسلم الكجي في سننه ، ثنا أبو عاصم عن ابن جريج به ، وأخرجه البيهقي في سننه ، وقال : لا أدري هل سمع سعيد من عبد الله بن حبشي أم لا ويحتمل أن يكون سمعه ، وأخرجه [ ص: 65 ] الضياء المقدسي في المختارة . وقال الطبراني في الأوسط : ثنا أبو مسلم ، ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن سعيد بن محمد ، عن عبد الله بن حبشي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قطع سدرة صوب الله عز وجل رأسه في النار " - يعني من سدر الحرم - .

            وقال البيهقي في سننه : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا محمد بن يحيى الصلحي بفم الصلح ، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم ، ثنا يزيد بن موهب الرملي ، ثنا مسعدة بن اليسع عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " قال أبو عبد الله : قال أبو علي الحافظ : هكذا كتبناه من حديث مسعدة ، وهو خطأ ، وإنما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن عروة - قوله : قال البيهقي : أخبرناه أبو عبد الله ، أنا أبو علي ، أنا علي بن الحسن بن سلمة ، ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، ثنا أبو أسامة عن ابن جريج ، فصارت رواية نصر بن علي ، عن أبي أسامة بهذا معلولة .

            قال البيهقي : ويحتمل أن يكون أبو أسامة رواه على الوجهين ، قال : وقد رواه معمر ، كما أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن عثمان بن أبي سليم ، عن رجل من ثقيف ، عن عروة بن الزبير ، يرفع الحديث في الذي يقطع السدر ، قال : يصب عليه العذاب ، وقال : يصوب رأسه في النار ، قال : فسألت بني عروة عن ذلك فأخبروني أن عروة قطع سدرة كانت في حائط فجعل بابا لحائط .

            قال البيهقي : يشبه أن يكون الرجل من ثقيف عمرو بن أوس ، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا أبو معاوية عن أبي عثمان عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عروة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذين يقطعون السدر يصبهم الله على رؤوسهم في النار صبا " ، قال البيهقي : هذا هو محمد بن شريك المكي ، هذا هو المحفوظ عنه مرسلا ، وقد رواه القاسم بن أبي شيبة عن وكيع ، عن محمد بن شريك العامري ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صبا " .

            أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو علي الحافظ ، أنا الحسين بن إدريس الأنصاري ، ثنا القاسم بن أبي شيبة فذكره ، قال أبو علي : ما أراه حفظه عن وكيع ، وقد تكلموا فيه - يعني القاسم - والمحفوظ رواية أبي أحمد الزبيري ومن تابعه [ ص: 66 ] على روايته عن محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مرسلا . انتهى .

            قلت : قد توبع القاسم عن وكيع على وصله ، قال الطبراني في الأوسط : ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا مليح بن وكيع بن الجراح ، ثنا أبي عن محمد بن شريك عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على وجوههم صبا " قال الطبراني : لم يروه عن عمرو إلا محمد ، تفرد به مليح بن وكيع عن أبيه ، هكذا قال ، وقد علمت أنه لم ينفرد به ، بل تابعه القاسم بن أبي شيبة .

            قال البيهقي : وأنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل الصفار ، أنا أحمد بن منصور ، أنا عبد الرزاق ، أنا إبراهيم بن يزيد ، ثنا عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال : أدركت شيخا من ثقيف قد أفسد السدر زرعه ، فقلت : ألا تقطعه ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إلا من زرع " فقال : أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قطع السدر إلا من زرع صب عليه العذاب صبا " فأنا أكره أن أقطعه من الزرع ومن غيره .

            قال البيهقي : فهذا إسناد آخر لعمرو بن أوس سوى روايته عن عروة ، إن كان حفظه إبراهيم بن يزيد قال : وقد روى عن إبراهيم بن يزيد ، كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدثني أبو يزيد أحمد بن محمد بن وكيع ، ثنا إبراهيم بن نضر الضبي ، ثنا صالح بن مسمار ، ثنا هشام بن سليمان ، حدثني إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار ، عن جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخرج فأذن في الناس ، من الله لا من رسوله : لعن الله قاطع السدر " .

            قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ ، أنا محمد بن عمران بن خزيمة الدينوري أبو بكر ، ثنا أبو عبد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن ، ثنا هشام بن سليمان عن ابن جريج ، حدثني إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي فذكره ، قال أبو علي : هكذا قال لنا هذا الشيخ ، وابن جريج في إسناده وهم ، ورواه إبراهيم بن المنذر عن هشام بن سليمان ، عن إبراهيم بن يزيد ولم يذكر ابن جريج في إسناده وهو الصواب .

            قلت : وكذا رواه غيره عن هشام ، قال الطبراني في الأوسط : ثنا علي بن سعيد الرازي ، ثنا صالح بن مسمار ، ثنا هشام بن سليمان عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخرج فناد في [ ص: 67 ] الناس لعن الله قاطع السدر " قال الطبراني : لم يروه عن الحسن إلا عمرو ولا عنه [ إلا ] إبراهيم ، ولا عنه إلا هشام ، ثم قال البيهقي : ورواه علي بن ثابت عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي مرسلا ، قال البيهقي : ورواه علي بن هاشم بن البريد عن إبراهيم الخوزي ، عن عمرو بن دينار . وسليمان الأحول عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن أوس الثقفي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : " إلا من زرع " قال أبو علي الحافظ : حديث إبراهيم بن يزيد مضطرب وإبراهيم ضعيف .

            قلت : هذا الطريق أخرجه ، قال البيهقي : ورواه المثنى بن الصباح عن عمرو ، عن أبي جعفر ، كما أخبرنا علي بن بشران : أنا إسماعيل الصفار ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق قال : سمعت المثنى بن الصباح يحدث عن عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي في مرضه الذي مات فيه : " اخرج يا علي ، فقل عن الله لا عن رسول الله : لعن الله من يقطع السدر " .

            وقال البيهقي : أنا عبد الله الحافظ ، حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ ، ثنا محمد بن نوح الجنديسابوري ، ثنا عبد القدوس بن عبد الكبير بن شعيب بن الحجاب ، ثنا عبد القاهر بن شعيب عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار " .

            وقال : أنا أبو عبد الله ، ثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ ، أنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ، ثنا زيد بن أخزم ، أنا يحيى بن الحارث عن أخيه مخارق بن الحارث ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من الله لا من رسوله لعن الله عاضد السدر " .

            وقال أبو داود : ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، وحميد بن مسعدة قالا : ثنا حسان بن إبراهيم قال : سألت هشام بن عروة عن قطع السدر - وهو مستند إلى قصر عروة - فقال : ترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي من سدر عروة - كان عروة يقطعه من أرضه - وقال : لا بأس به ، زاد حميد : وقال : يا عراقي ، جئتني ببدعة ، قال : قلت : إنما البدعة من قبلكم ، سمعت من يقول هذا : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع السدر ، قال أبو داود : يعني من قطع السدر في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم ، عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها .

            قال البيهقي : وقد قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي روايته عن أبي عبد الله محمد بن يوسف ، عن محمد بن يعقوب بن الفرج ، عن أبي ثور أنه قال : سألت أبا عبد الله [ ص: 68 ] الشافعي عن قطع السدر ، فقال : لا بأس به ، قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اغسله بماء وسدر " فيكون محمولا على ما حمله عليه أبو داود ، وروينا عن عروة بن الزبير أنه كان يقطعه من أرضه ، وهو أحد رواة النهي ، فيشبه أن يكون النهي خاصا ، كما قال أبو داود .

            وقرأت في كتاب أبي سليمان الخطابي أن إسماعيل بن يحيى المزني سئل عن هذا ، فقال : وجهه أن يكون صلى الله عليه وسلم سئل عمن هجم على قطع السدر لقوم أو ليتيم أو لمن حرم الله أن يقطع عليه ، فتحامل عليه بقطعه ، فاستحق ما قاله ، فتكون المسألة سبقت السامع فسمع الجواب ولم يسمع المسألة ، وجعل نظيره حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الربا في النسيئة " ، فسمع الجواب ، ولم يسمع المسألة ، وقد قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد " .

            واحتج المزني بما احتج به الشافعي من إجازة النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل الميت بالسدر ، ولو كان حراما لم يجز الانتفاع به . قال : والورق من السدر كالغصن ، وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حرم قطعه من شجر الحرم بين ورقه وغيره ، فلما لم يمنع من ورق السدر دل على جواز قطع السدر . انتهى .

            قلت : والأولى عندي في تأويل الحديث أنه محمول على سدر الحرم ، كما وقع في رواية الطبراني . وقال ابن الأثير في النهاية : قيل : أراد به سدر مكة ; لأنها حرم . وقيل : سدر المدينة نهى عن قطعه ; ليكون أنسا وظلا لمن يهاجر إليها ، وقيل : أراد السدر الذي يكون في الفلاة ، يستظل به أبناء السبيل والحيوان . أو في ملك إنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق ، قال : ومع هذا فالحديث مضطرب الرواية ، فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير - وكان هو يقطع السدر ، ويتخذ منه أبوابا - وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه . انتهى .

            وبقي للحديث طرق فاتت البيهقي ، قال أبو مسلم الكجي في سننه : ثنا الرمادي ، ثنا سفيان عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن عم له يقال له حسين ، عن رجل من أهل الطائف ، عن عبد الله بن شديد ، وعن أبي إسحاق الدوسي ، رفعه أحدهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الذين يقطعون السدر يصب الله عليهم العذاب صبا " وقال الآخر ، ولم يرفعه : " من قطع سدرة صوب الله رأسه في نار جهنم " .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية