الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 242 ] 45 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيمن صلت عليه من الموتى جماعة من المسلمين فشفعوا له أنهم يشفعون فيه إذا كان لهم عدد ذكر مقداره فيما روي عنه في ذلك

264 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن جريج ، أن أيوب بن أبي تميمة حدثه أن أبا قلابة أخبره أن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة أخبره : أن عائشة زوج النبي عليه السلام أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما من رجل مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين ، يبلغون أن يكونوا مائة ، فيشفعوا له إلا شفعوا فيه } .

265 - حدثنا حسين بن نصير ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيد الله يعني : ابن عمرو ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة ، عن النبي عليه السلام قال : لا يموت أحد من [ ص: 243 ] المسلمين فتصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة فيشفعوا له ، إلا شفعوا فيه .

266 - حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا عمرو بن زرارة ، حدثنا إسماعيل ، وهو ابن إبراهيم ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة ، عن عائشة ، عن النبي عليه السلام مثله .

267 - حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي ، عن عائشة : أن رسول الله عليه السلام قال : { ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون أن يكونوا مائة ، إلا شفعوا فيه } .

قال أبو جعفر : هكذا يقول حماد في إسناد هذا الحديث ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي ، والناس يخالفونه في ذلك ، ويقولون : عبد الله بن يزيد رضيع عائشة ، وهو أشبه بالصواب في ذلك ، والله أعلم .

وعبد الله بن يزيد الخطمي ، هو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث منها :

[ ص: 244 ]

268 - ما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي بردة قال : كنت جالسا عند أمير قد سماه فجعل يتردد عليه برؤوس الخوارج ، قال : فجعلت كلما رأيت رأسا منها قلت : إلى النار . فقال عبد الله بن يزيد : يا ابن أخي ، سمعت رسول الله عليه السلام يقول : { يكون عذاب هذه الأمة في دنياها } .

قال أبو جعفر : وذكره محمد بن سعد في كتاب الطبقات ، وقال : عبد الله بن يزيد الخطمي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن نزل الكوفة ، واختط بها دارا ، وولاه عليها عبد الله بن الزبير .

ثم رجعنا إلى ما كنا فيه من عدد المصلين على الجنازة الشفعاء لصاحبها :

[ ص: 245 ]

269 - حدثنا ابن معبد ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا أبو حمزة يعني السكري ، واسمه محمد بن ميمون ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام قال : { من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له } .

270 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان يعني أبا معاوية بن عبد الرحمن النحوي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام قال : { من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له } .

وقد روى ابن عباس عن رسول الله عليه السلام في عدد الجماعة المشفعين في هذا المعنى :

271 - ما قد حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر حميد بن زياد ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب ، عن ابن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان . فقال لكريب : انظر ما اجتمع له من الناس . قال : فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا ، قال : أخرجوه ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ ص: 246 ] وسلم يقول : { ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه } .

ووجدنا عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما رويناه في هذا الباب عن عائشة ، وأبي هريرة ، عن رسول الله عليه السلام ، ويخالف ما رويناه فيه عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

272 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا سويد بن نصر ، أخبرنا عبد الله يعني : ابن المبارك ، عن سلام بن أبي مطيع ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة ، عن عائشة ، عن النبي عليه السلام قال : { ما من ميت يصلي عليه جماعة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يشفعون إلا شفعوا فيه } .

قال سلام : فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال : حدثني به أنس ، عن النبي عليه السلام .

فقال قائل : من أين جاء هذا الاختلاف في هذه الروايات ؟

فكان جوابنا عن ذلك بتوفيق الله أنه يحتمل أن يكون الله جاد [ ص: 247 ] لعباده المؤمنين بالغفران لمن صلى عليه مائة منهم بشفاعتهم له ، ثم جاد له بالغفران بشفاعة أربعين منهم .

فكان خبر ابن عباس بذلك هو آخر ما كان منه عز وجل مما جاد بسببه بالغفران للمصلى عليه من المؤمنين بشفاعتهم .

وكان خبر عائشة وأبي هريرة متقدمين لذلك .

فقال : ولم حملت ذلك على ما ذكرت ، ولم تحمله على أن حديث عائشة وأبي هريرة هما المتأخران ، وحديث ابن عباس هو المتقدم ؟

فكان جوابنا له عن ذلك بتوفيق الله وعونه : أن الله ليس من صفته أن يجود بغفران بمعنى ، ثم يرجع عن الغفران بذلك المعنى ، وقد يجوز أن يجود بالغفران بمعنى ، ثم يجود بالغفران بأقل من ذلك المعنى ، وبأيسره على خلقه الذين جاد بذلك عليهم ، فبان بما ذكرنا الوجه الذي جاء منه اختلاف العددين في الآثار التي رويناها ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية