الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 499 ] 14- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة بني إسرائيل

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: وقل ربي ارحمهما قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين ، وروي نحو هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما ، والحسن ، وعكرمة ، ومقاتل .

" أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن قهزاذ ، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله: " إما يبلغن عندك الكبر إلى قوله: كما ربياني صغيرا نسختها ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ ص: 500 ] قال أبو بكر : وأبنا محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، عن الحسين بن الحسن بن عطية ، عن عطية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " إما يبلغن عندك الكبر إلى قوله: صغيرا فنسخها ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين .

قال أبو بكر : وأبنا أحمد بن يحيى بن مالك ، قال: أبنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة نحوه أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، قال: أبنا عبد الله بن عثمان ، عن عيسى بن عبيد الله عن عبيد الله مولى عمر ، عن الضحاك " وقل ربي ارحمهما نسخ منها بالآية التي في براءة ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين .

[ ص: 501 ] قلت: وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء إنما هو عام دخله التخصيص ، وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري .

ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: وما أرسلناك عليهم وكيلا للمفسرين في معنى الوكيل ثلاثة أقوال: أحدها: كفيلا تؤخذ بهم قاله ابن عباس رضي الله عنهما .

والثاني: حافظا وربا ، قاله الفراء .

والثالث: كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم ، ذكره ابن الأنباري ، وعلى هذا الآية محكمة ، وقد زعم بعضهم: أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق .

[ ص: 502 ] ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قد زعم من قل فهمه ، من نقلة التفسير أن هذه الآية لما نزلت امتنع الناس من مخالطة اليتامى فنزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم وهذا يدل على جهل قائله بالتفسير ومعاني القرآن أيراه يجوز قرب مال اليتيم بغير التي هي أحسن حتى يتصور نسخ ، وإنما المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين ، أنهم كانوا يخلطون طعامهم بطعام اليتامى ، فلما نزلت هذه الآية عزلوا طعامهم عن طعامهم ، وكان يفضل الشيء فيفسد ، فنزل قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم فأما أن تدعى نسخ فكلا .

[ ص: 503 ] ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ، روى الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال: نسخت هذه الآية بقوله: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول وقال ابن السائب : نسخت بقوله: فاصدع بما تؤمر وهذا القول ليس بصحيح وليس بين الآيات تناف ولا وجه للنسخ ، وبيان هذا أن المفسرين اختلفوا في المراد بقوله: ولا تجهر بصلاتك فقال قوم: هي الصلاة الشرعية لا تجهر بقراءتك فيها ولا تخافت بها ، [ ص: 504 ] وقال آخرون الصلاة الدعاء ، فأمر التوسط في رفع الصوت ، وذلك لا ينافي التضرع .

[ ص: 505 ] 15- فأما سورة الكهف: فليس فيها منسوخ إلا أن السدي يزعم: أن قوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، قال: وهذا تخيير نسخ بقوله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله وهذا تخليط في الكلام ، وإنما هو وعيد وتهديد ، وليس بأمر ، كذلك قال الزجاج وغيره ولا وجه للنسخ .

[ ص: 506 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية