الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في بيان جواز العارية وما للمعير وعليه بعد الرد في عارية الأرض وحكم الاختلاف

                                                                                                                            وهي من العقود الجائزة من الطرفين كالوكالة ، فحينئذ ( لكل منهما ) أي المعير والمستعير ( رد العارية ) ولو مؤقتة بوقت لم ينقض أمده ( متى شاء ) لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فالإلزام غير لائق بها ، والرد في المعير بمعنى الاسترداد الذي عبر به أصله ، ولو استعمل المستعار أو المباح له منافعه بعد الرجوع جاهلا فلا أجرة عليه كما مر ، فلا ينافيه قولهم إن الضمان لا يختلف بالعلم والجهل إذ محله عند عدم تسليط المالك ولم يقصر بترك [ ص: 132 ] إعلامه ، وفارق نظيره في الوكالة بأنها عقد والإعارة إباحة ، وإنما ضمن وكيل اقتص جاهلا بعفو موكله لأنه مقصر بتوكيله في القود إذ هو غير مستحب ، لأن العفو مطلوب فضمن زجرا عن التوكيل فيه ، ولو أعاره لحمل متاعه إلى بلد فرجع قبل وصوله لزمه لكن بالأجرة نقل متاعه إلى مأمن ، ويظهر أن مثله في ذلك نفسه إذا عجز عن المشي أو خاف وعلم من جوازها كالوكالة انفساخها بموت أحد المتعاقدين أو جنونه أو إغمائه أو الحجر عليه بسفه ، وكذا بحجر فلس على المعير كما بحثه الشيخ ، وحيث انفسخت أو انتهت وجب على المستعير أو ورثته إن مات ردها فورا [ ص: 133 ] كما مر وإن لم يطلب المعير ، فإن أخر الورثة لعدم تمكنهم ضمنت في التركة ولا أجرة وإلا ضمنوها مع الأجرة ، ومؤنة الرد في هذه عليهم وفيما قبلها على التركة ، فإن لم تكن لم يلزمهم سوى التخلية ، وكالورثة في ذلك وليه لو جن أو حجر عليه بسفه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في بيان جواز العارية ( قوله : وعليه بعد الرد إلخ ) أي انتهاء العارية ، وإن كانت العين في يد المستعير أو انتهت بفراغ المدة لكونها مؤقتة ( قوله : وحكم الاختلاف ) أي وما يتبع ذلك كوجوب تسوية الحفر وإعراض القاضي ( قوله : وارتفاق من المستعير ) أي شأنها ذلك فلا ينافي أنه قد يستعير ما هو غني عن الارتفاق به لوجود غيره في ملكه ( قوله : ولو استعمل المستعار أو المباح له منافعه ) خرج بها الأعيان فإنها مضمونة ( قوله : بعد الرجوع جاهلا ) وخرج به ما لو استعمل العارية بعد جنون الغير غير عالم به فعليه الأجرة لأنه بعد جنونه ليس أهلا للإباحة ا هـ حواشي شرح الروض : أو ولا ينسب له تقصير بعدم الإعلام ، ومثل الجنون إغماؤه أو موته فتلزمه الأجرة مطلقا لبطلان الإذن بالإغماء والموت ( قوله فلا أجرة عليه ) وانظر لو استعمل العين بعد انقضاء المدة في الإعارة المؤقتة جاهلا بانقضائها هل هو كاستعماله بعد الرجوع في المطلقة حتى لا تلزمه أجرة أو لا ويفرق ا هـ سم على حج . وقد يقال : الأقرب الفرق ، فإن الاستعمال في المؤقتة بعد فراغ المدة لم يتناوله الإذن أصلا فاستعماله محض تعد وجهله إنما يفيد عدم الإثم كما لو استعمل مال غيره جاهلا بكونه ماله ، وقد يشعر بالفرق قول الشارح إذ محله عند عدم تسليط المالك إلخ ، وقوله بعد الرجوع ، وينبغي أن مثل المستعير المستعمل بعد انقضاء المدة وارثه في وجوب الأجرة لأن الإذن لم يشمله ، هذا ويرد على قوله إذ محله عند عدم تسليط المالك إلخ ما ذكره في القسم والنشوز من أنه لو [ ص: 132 ] أباحه ثمرة بستانه ثم رجع ولم يعلم من أبيح له بالرجوع فأكل الثمرة من أنه يضمن مع الفرق بين المنافع والأعيان ، اللهم إلا أن يخص بالمنافع أو أنه جرى هنا على القول بالتسوية بينهما ، ثم ما تقرر من أن المنافع غير مضمونة حيث استوفاها جاهلا بالرجوع لتسليط المالك له يقتضي أن البائع لو اطلع على عيب في الثمن المعين ففسخ العقد ولم يعلم بذلك المشتري فاستعمل المبيع جاهلا لم يضمن ما استوفاه من المنافع ، بخلاف الأعيان كاللبن فإنها مضمونة عليه ، وكذا يقال في المشتري لو اطلع على عيب في المبيع ففسخ العقد ولم يعلم به البائع واستعمل الثمن المعين أو استوفى منه عينا ويجري مثل ذلك في نظائره ( قوله : توجيها للتسوية بين العلم والجهل في الضمان ) بقوله إذ محله عند عدم تسليط ( قوله : ولم يقصر ) أي المعير ، وقوله بترك إعلامه أي المستعير ( قوله : وفارق نظيره في الوكالة ) حيث قيل ببطلان تصرف الوكيل بعد عزل الموكل له وقبل بلوغ الخبر ( قوله : وإنما ضمن وكيل ) أي بالدية لا بالقصاص ( قوله : إذ هو غير مستحب ) أي بل ينبغي كراهته ( قوله فرجع ) أي المعير ( قوله : لزمه ) أي المعير ( قوله إذا عجز عن المشي ) أي ويقبل قوله في ذلك إن دلت قرينة على ما ادعاه ( قوله : أو جنونه ) هذا شامل لما لو كانت العارية غير مضمونة عليه كأن كانت من مستأجر أو دعت إليها ضرورة فهلا قيل بعدم انفساخها ، والحالة ما ذكر لجواز إنشائها من الولي ، اللهم إلا أن يقال : لما كان الانتفاع بها مستندا لعقد المستعير وقد زالت أهليته قلنا ببطلان عقده ، وليس ثم ما يستند إليه في الانتفاع ليكون استدامة ، والولي متمكن من إنشاء العقد إن أراده بأن رآه مصلحة ( قوله : أو الحجر عليه بسفه ) أي على أحدهما ( قوله : وكذا بحجر فلس ) لكن تقدم أن المفلس تجوز له إعارة عين من ماله زمنا لا يقابل بأجرة ، وعليه فينبغي أنه إذا كان الباقي من المدة مثلا كذلك عدم الانفساخ ( قوله : أو انتهت ) أي بأن كانت مؤقتة بمدة وانقضت ( قوله : ردها فورا ) ظاهره وجوب الرد فورا على المالك وإن استعار من المستأجر فلا يكفي الرد عليه ، لكن قدمت في الإقرار عند قول المصنف ولو غصبوا من زيد إلخ أن المغصوب من المستأجر أو المرتهن يرد عليه ويبرأ الغاصب فيحتمل أن المستعير من المستأجر ووارثه كذلك ا هـ سم على حج . وقد يتوقف في كون ما ذكر قضية كلامه إذ مجرد قوله وجب على المستعير إلخ لا يقتضي قصر الرد ( قوله : ومن ثم ضمن وكيل اقتص جاهلا إلخ ) في هذا الاستنتاج وقفة لا تخفى ، سيما وقد علل الحكم بما يأتي فهو غير معلوم مما قبله حتى يستنتج منه . وفي بعض النسخ : وإنما ضمن وكيل إلخ ، وهو الموافق لسياق شرح الروض ، إذ هو جواب عما يرد على ما مر من أن محل عدم الاختلاف بالعلم والجهل عند عدم تسليط المالك فيقال : مسألة الوكالة المذكورة فيها تسليط فلم ضمن الوكيل مطلقا ؟ فأجاب بما ذكر [ ص: 133 ] على المالك .

                                                                                                                            ( قوله : كما مر ) أي في موت المعار وبها عبر حج ( قوله : ولا أجرة ) أي للعين المعارة في مدة التأخير ( قوله : وإلا ضمنوها ) ظاهره وإن لم يضع أحد منهم يده عليها ، ولعل محله إذا وضع يده عليها ولا يتوقف عليه وصولها إلى مستحقها . ووجهه أنه خليفة المورث فيلزمه ما يلزمه ا هـ سم على حج . وأفهم قوله ولا توقف إلخ أنه لو توقف ردها على وضع يده عليها فأخذها ليردها على مالكها فتلفت لم يضمنها كما لو تلفت قبل وضع اليد عليها وهو ظاهر ( قوله : وفيما قبلها ) لعل المراد بما قبلها أنهم حيث ردوا فورا أو عقب زوال المانع من الرد لا أجرة عليهم إذ لم يتمكنوا من الرد ( قوله : فإن لم تكن ) أي التركة ( قوله لو جن ) لم يقل أو أغمي عليه لأن المغمى عليه لا ولي له إلا إن زادت مدة إغمائه على ثلاثة أيام على ما ذكره الشارح في كتاب النكاح ( قوله : وكالورثة في ذلك وليه ) أي المستعير



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في بيان جواز العارية

                                                                                                                            ( قوله : الذي عبر به أصله ) الذي في أصله إنما هو التعبير بالرجوع فهو قد عبر عما في الأصل بالمعنى ( قوله : فلا ينافيه ) الأولى التعبير بالواو بدل الفاء [ ص: 132 - 133 ] قوله : وإلا ضمنوها ) أي : في أموالهم كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية