الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ( 23 ) )

يقول - تعالى ذكره - مقسما لخلقه بنفسه : فورب السماء والأرض ، إن الذي قلت لكم أيها الناس : إن في السماء رزقكم وما توعدون لحق ، كما حق أنكم تنطقون .

وقد حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن في قوله ( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه " وقال الفراء : للجمع بين " ما " و " إن " في هذا الموضع وجهان : أحدهما : أن يكون ذلك نظير جمع العرب بين الشيئين من الأسماء والأدوات ، كقول الشاعر في الأسماء :


من النفر اللائي الذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا

[ ص: 423 ] فجمع بين اللائي والذين ، وأحدهما مجزئ من الآخر; وكقول الآخر في الأدوات :


ما إن رأيت ولا سمعت به     كاليوم طالي أينق جرب

فجمع بين " ما " وبين " إن " ، وهما جحدان يجزئ أحدهما من الآخر . وأما الآخر : فهو لو أن ذلك أفرد ب" ما " ، لكان خبرا عن أنه حق لا كذب ، وليس ذلك المعني به . وإنما أريد به : أنه لحق كما حق أن الآدمي ناطق . ألا يرى أن قولك : أحق منطقك؟ ، معناه : أحق هو أم كذب؟ ، وأن قولك أحق أنك تنطق معناه للاستثبات لا لغيره ، فأدخلت " أن " ليفرق بها بين المعنيين ، قال : فهذا أعجب الوجهين إلي .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( مثل ما أنكم ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ( مثل ما ) نصبا بمعنى : إنه لحق حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر . وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم ، فتقول : مثل من عبد الله ، وعبد الله مثلك ، وأنت مثله ، ومثله رفعا [ ص: 424 ] ونصبا . وقد يجوز أن يكون نصبها على مذهب المصدر ، إنه لحق كنطقكم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ، وبعض أهل البصرة رفعا " مثل ما أنكم " على وجه النعت للحق .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية