الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه بلعام بن عوراء ، واختلفوا فيه فقيل كان من اليمن ، وقيل كان من الكنعانيين ، وقيل من بني صال بن لوط ، قاله ابن عباس ، وابن مسعود. والثاني: أنه أمية بن أبي الصلت الثقفي ، قاله عبد الله بن عمرو. والثالث: أنه من أسلم من اليهود والنصارى ونافق ، قاله عكرمة . وفي الآيات التي أوتيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه اسم الله الأعظم الذي تجاب به الدعوات ، قاله السدي وابن زيد . والثاني: أنها كتاب من كتب الله. قاله ابن عباس . والثالث: أنه أوتي النبوة فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه ، قاله مجاهد ، وهو غير صحيح لأن الله لا يصطفي لنبوته إلا من يعلم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معصيته. [ ص: 280 ] وفي قوله: فانسلخ منها وجهان: أحدهما: فانسلخ من العلم بها لأنه سيسلب ما أوتي منها بالمعصية. والثاني: أنه انسلخ منها أي من الطاعة بالمعصية مع بقاء علمه بالآيات حتى حكي أن بلعام ريثي على أن يدعو على قوم موسى بالهلاك فسها فدعا على قومه فهلكوا. فأتبعه الشيطان فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الشيطان صيره لنفسه تابعا بإجابته له حين أغواه. والثاني: أن الشيطان متبع من الإنس على ضلالته من الكفر. والثالث: أن الشيطان لحقه فأغواه ، يقال اتبعت القوم إذا لحقتهم ، وتبعتهم إذا سرت خلفهم ، قاله ابن قتيبة . فكان من الغاوين فيه وجهان: أحدهما: من الهالكين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: من الضالين. قوله عز وجل: ولو شئنا لرفعناه بها فيه وجهان: أحدهما: يعني لأمتناه فلم يكفر. والثاني: لحلنا بينه وبين الكفر فيصير إلى المنزلة المرفوعة معصوما ، قاله مجاهد . ولكنه أخلد إلى الأرض أي ركن إليها. وفي ركونه إليها وجهان: أحدهما: أنه ركن إلى أهلها في استنزالهم له ومخادعتهم إياه. والثاني: أنه ركن إلى شهوات الأرض فشغلته عن طاعة الله ، وقد بين ذلك قوله تعالى: واتبع هواه ثم ضرب مثله بالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وفي تشبيهه بالكلب اللاهث وجهان: أحدهما: لدناءته ومهانته.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لأن لهث الكلب ليس بنافع له. [ ص: 281 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية