الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 419 ] فصل

ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك . والاستدبار يكره في رواية لما فيه من ترك التعظيم ، ولا يكره في رواية لأن المستدبر فرجه غير مواز للقبلة . وما ينحط منه ينحط إلى الأرض ، بخلاف المستقبل لأن فرجه مواز لها وما ينحط منه ينحط إليها

التالي السابق


( فصل )

( قوله لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ) قال صلى الله عليه وسلم { إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا } أخرجه الستة ( قوله ولا يكره في رواية ) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { رقيت يوما على بيت أختي حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة } ولأن فرجه غير مواز لها ، إلى آخر ما ذكره في الكتاب .

وجه الظاهر الحديث السابق ، وهو مقدم لتقدم المانع عند المعارضة . واعلم أن هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال ، وباعتبار هذه الرواية تصير أربعة أقوال : ذهبت طائفة إلى الكراهة مطلقا منهم مجاهد والنخعي وأبو حنيفة أخذا بعموم الأول مع تقويته بقول أبي أيوب قدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله ، وطائفة كرهوه في الفضاء دون البنيان مطلقا منهم الشعبي والشافعي وأحمد أخذا بحديث أبي داود عن مروان الأصفر : رأيت ابن عمر أناخ راحلته وجلس يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ . قال بلى إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس . ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما ، وعن ابن عمر في الصحيحين ما ذكرناه آنفا من رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وطائفة رخصوه مطلقا ، فمنهم من طرح الأحاديث لتعارضها ثم رجع إلى الأصل وهو الإباحة والمعارضة بحديث ابن عمر المتقدم ، وما رواه ابن ماجه عن عراك عن عائشة قالت { ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال : أراهم قد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة } .

وقول أحمد أحسن ما في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلا فإن [ ص: 420 ] مخرجه حسن بناء على إنكاره أن عراكا سمع من عائشة مدفوع بأنه ممن يمكن كونه لقيها فقد قالوا إنه سمع من أبي هريرة وأبو هريرة توفي هو وعائشة في سنة واحدة فلا يبعد سماعه منها مع كونهما في بلدة واحدة . وقد أخرج مسلم حديث عراك عن عائشة { جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها } الحديث .

ثم أخرج الدارقطني الحديث المذكور من غير جهة حماد بن سلمة الذي في حديث ابن ماجه قال عراك فيها حدثتني عائشة رضي الله عنها { أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول الناس أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة } . ومنهم من ادعى النسخ تمسكا بما أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم والدارقطني عن جابر بن عبد الله قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها } ولفظ ابن حبان ومن بعده .

حدثنا أبان بن صالح فزالت تهمة التدليس ، ولفظهم { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا هرقنا الماء ، ثم رأيته قبل موته بعام يبول إلى القبلة } وأبان بن صالح وثقه المزكون يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ، وقال الترمذي في العلل الكبير : سألت محمد بن إسماعيل يعني البخاري عن هذا الحديث فقال حديث صحيح والأحوط المنع لأن الناسخ لا بد أن يكون في قوة المنسوخ وهذا وإن صح لا يقاوم ما تقدم مما اتفق عليه الستة وغيره مما أخرج كثيرا .

مع أن الذي فيه حكاية فعله وهو ليس صريحا في نسخ التشريع القولي لجواز الخصوصية : ولو نسي فجلس مستقبلا فذكر يستحب له الانحراف بقدر ما يمكنه : أخرج الطبري في تهذيب الآثار عن عمرو بن جميع عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من جلس يبول قبالة المسجد فذكر فتحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له } وكما يكره للبالغ ذلك يكره له أن يمسك الصغير نحوها ليبول وقالوا : يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة




الخدمات العلمية