الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 401 ] 464 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل رؤوس القتلى المقتولين نكالا من بلد إلى بلد ، ومن ناحية إلى ناحية من الإباحة ، وما روي عن أبي بكر رضي الله عنه مما يخالف ذلك .

2957 - حدثني محمد بن أحمد بن خزيمة البصري ، قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، عن ابن قابوس ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس مرحب .

2958 - حدثنا فهد بن سليمان ، ومحمد بن سليمان الباغندي ، قالا : حدثنا يوسف بن مبارك الكوفي ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء قال : لقيت خالي معه الراية ، فقلت له : أين تذهب ؟ فقال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن [ ص: 402 ] آتيه برأسه .

2959 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، ثم ذكر بإسناده مثله .

2960 - وحدثنا عبيد بن رجال ، وهارون بن محمد العسقلاني ، قالا : حدثنا مؤمل بن إهاب ، قال : حدثنا ضمرة ، قال : حدثني [ ص: 403 ] يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن عبد الله بن الديلمي ، عن أبيه قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب ، فقلت : يا رسول الله ، قد عرفت من نحن ، فإلى من نحن ؟ قال : إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .

فتأملنا هذه الآثار ، فوجدنا فيها إتيان علي رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس مرحب ، وهو كان أحد أعدائه ، فسبق علي رضي الله عنه به إليه ، فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه .

ووجدنا فيها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خال البراء أن يأتيه برأس الذي تزوج امرأة أبيه بعد أبيه من الموضع الذي فيه .

ووجدنا فيها إتيان الديلمي وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس العنسي [ ص: 404 ] الكذاب ، وإنما كان إتيانهم به إليه من اليمن ليقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصر الله - عز وجل - عليه ، وعلى كفاية المسلمين شأنه ، وكان كتاب الله - عز وجل - قد دل على شيء من هذا بقوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة - إلى قوله - وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، وبقوله في آية المحاربين : أن يقتلوا أو يصلبوا ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - ليشتهر في الناس إقامة نكال الله عز وجل إياهم عليهم ، فكان مثل ذلك إظهار رؤوس من قتل على ما فعل عليه المحمولة رؤوسهم في الآثار التي رويناها في ذلك ليقف الناس على النكال الذي نزل بهم .

فإن قال قائل : فقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه ما يخالف هذا ، وذكر ما حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة ، أن علي بن رباح حدثه ، أن عقبة بن عامر قال : جئت أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأول فتح من الشام ، وبرؤوس ، فقال : ما كنت أصنع بهذه شيئا .

حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن عمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة ، بعثاه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس يناق بطريق الشام ، فلما قدم عليه أنكر ذلك أبو بكر رضي الله عنه ، فقال له عقبة : يا خليفة [ ص: 405 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم يصنعون ذلك بنا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أفاستنان بفارس والروم ، لا تحملوا إلي رأسا ، إنما يكفي الكتاب والخبر .

حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : أنبأنا ابن المبارك ، عن سعيد بن يزيد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال : فهذا أبو بكر قد أنكر حمل الرؤوس إليه ، فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن أبا بكر ، وإن كان قد أنكر ذلك ، فقد كان حاملوه شرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص ، وعقبة بن عامر بحضرة من كان معهم من أمرائه على الأجناد ، منهم يزيد بن أبي سفيان ، ومن سواه ممن كان خرج لغزو الشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكروا ذلك عليهم ، ولم يخالفوهم عليه ، فدل ذلك على متابعتهم إياهم عليه ، ولما كان ذلك كذلك ، وكانوا مأمونين على ما فعلوا ، فقهاء في دين الله عز وجل ، كان ما فعلوا من ذلك مباحا لما رأوا فيه من إعزاز دين الله وغلبة أهله الكفار به ، وكان ما كان من أبي بكر في ذلك من كراهته إياه قد يحتمل أن يكون لمعنى قد وقف عليه في ذلك ، يعني عن ذلك الفعل ، وقد كان رأيه رضي الله عنه معه التوفيق ، وكان مثل هذا من بعد يرجع فيه إلى رأي الأئمة الذين يحدث مثل هذا في إبانهم ، فيفعلون في ذلك ما يرونه صوابا ، وما يرونه من حاجة المسلمين إليه ، [ ص: 406 ] ومن استغنائهم عنه ، وقد كان من عبد الله بن الزبير في رأس المختار لما حمل إليه ترك النكير في ذلك ، ومعه بقايا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في ذلك على مثل ما كانوا عليه .

كما حدثنا يونس ، وبحر جميعا قالا : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : حدثني البريد الذي قدم برأس المختار على عبد الله بن الزبير قال : فلما وضعته بين يديه قال : ما حدثني كعب بحديث إلا وجدته كما حدثني إلا هذا ، فإنه حدثني أنه يقتلني رجل من ثقيف ، وها هو هذا قد قتلته ، قال الأعمش : وما يعلم أن أبا محمد ، يعني : الحجاج ، مرصد له بالطريق ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية