الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مطلق المسارعة أعم مما بالعوض؛ وهو أعم مما بالرجوع؛ جاء نظم الآيات على ذاك; ولما كشفت هذه الوقعة جملة من المغيبات؛ من أعظمها تمييز المخلص فعلا؛ أو قولا؛ من غيره؛ أخبر (تعالى) أن ذلك من أسرارها؛ على وجه يشير إلى النعي على المنافقين بتأخيرهم أنفسهم بالرجوع؛ وغيره؛ فقال - مشيرا بخطاب الأتباع إلى مزيد علمه - صلى الله عليه وسلم - وعلو درجته لديه؛ وعظيم قربه منه - سبحانه وتعالى -: ما كان الله ؛ أي: مع ما له من صفات الكمال؛ ولما كان ترك التمييز غير محمود؛ عبر بفعل الوذر؛ وأظهر موضع الإضمار؛ لإظهار شرف الوصف؛ تعظيما لأهله؛ فقال: ليذر المؤمنين ؛ أي: الثابتين في وصف الإيمان؛ على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين؛ ومن قاربهم من الذين آمنوا على حال الإشكال؛ [ ص: 136 ] للاقتناع بدعوى اللسان؛ دليلا على الإيمان؛ حتى يميز الخبيث من الطيب ؛ بأن يفضح المبطل؛ وإن طال ستره؛ بتكاليف شاقة؛ وأحوال شديدة؛ لا يصبر عليها إلا المخلص من العباد؛ المخلصون في الاعتقاد؛ وما كان الله ؛ لاختصاصه بعلم الغيب؛ ليطلعكم على الغيب ؛ أي: وهو الذي لم يبرز إلى عالم الشهادة بوجه؛ لتعلموا به الذي في قلوبهم؛ مع احتمال أن يكون الرجوع للعلة التي ذكروها في الظاهر؛ والقول لشدة الأسف على إخوانهم؛ ولكن الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ يجتبي ؛ أي: يختار اختيارا بليغا؛ من رسله من يشاء ؛ أي: فيخبر على ألسنتهم بما يريد من المغيبات؛ كما أخبر أنهم برجوعهم للكفر أقرب منهم للإيمان؛ وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ ولما تسبب عن هذا وجوب الإيمان به؛ قال: فآمنوا بالله ؛ أي: في عالم الغيب؛ والشهادة؛ له الأسماء الحسنى؛ ورسله ؛ في أنه أرسلهم؛ وفي أنهم صادقون في كل ما يخبرون به عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "فإنكم إن لم تؤمنوا كان لكم ما تقدم؛ من العذاب العظيم؛ الأليم؛ المهين"؛ عطف عليه قوله: وإن تؤمنوا ؛ أي: بالله؛ [ ص: 137 ] ورسله؛ وتتقوا ؛ أي: بالمداومة على الإيمان؛ وما يقتضيه من العمل الصالح؛ فلكم أجر عظيم ؛ أي: منه أنه لا يضركم كيد أعدائكم شيئا؛ كما تقدم وعدكم به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية