الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرجل يغنم وحده قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا خرج الرجل والرجلان من المدينة أو من المصر فأغارا في أرض الحرب فما أصابا بها فهو لهما ولا يخمس قال الأوزاعي إذا خرجا بغير إذن الإمام فإن شاء عاقبهما وحرمهما وإن شاء خمس ما أصابا ثم قسمه بينهما وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في أرض الحرب بطائفة من أموالهم فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا به بعد الخمس وقال أبو يوسف قول الأوزاعي يناقض بعضه بعضا ذكر في أول هذا الكتاب أن من قتل قتيلا فله سلبه وأن السنة [ ص: 373 ] جاءت بذلك وهو مع الجند والجيش إنما قوي على قتله بهم ، وهذا الواحد الذي ليس معه جند ولا جيش إنما هو لص أغار يخمس ما أصاب فالأول أحرى أن يخمس وكيف يخمس فيئا مع هذا ولم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقد قال الله عز وجل في كتابه { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } وقال { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } فجعل الفيء في هذه الآية لهؤلاء دون المسلمين وكذلك هذا الذي ذهب وحده حتى أصاب فهو له ليس معه فيه شريك ولا خمس وقد خالف قوله عمر بن عبد العزيز هؤلاء أسرى أرأيت قوما من المسلمين خرجوا بغير أمر الإمام فأغاروا في دار الحرب ثم انفلتوا من أيديهم وخرجوا بغنيمة فهل يسلم ذلك لهم ؟ أرأيت إن خرج قوم من المسلمين يحتطبون أو يتصيدون أو لعلف أو لحاجة فأسرهم أهل الحرب ثم انفلتوا من أيديهم بغنيمة هل تسلم لهم ؟ وإن ظفروا بتلك الغنيمة قبل أن يأسرهم أهل الحرب هل تسلم لهم ؟ فإن قال به فقد نقض قوله وإن قال لا فقد خالف عمر بن عبد العزيز .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما } وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الواحد يتسرى وحده وأكثر منه من العدد ليصيب من العدو غرة بالحيلة أو يعطب فيعطب في سبيل الله ، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه للموجفين فسواء قليل الموجفين وكثيرهم لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه والسلب لمن قتل منهم والخمس بعده حيث وضعه الله ولكنا نكره أن يخرج القليل إلى الكثير بغير إذن الإمام وسبيل ما أوجفوا عليه بغير إذن الإمام كسبيل ما أوجفوا عليه بإذن الإمام ، ولو زعمنا أن من خرج بغير إذن الإمام كان في معنى السارق زعمنا أن جيوشا لو خرجت بغير إذن الإمام كانت سراقا وأن أهل حصن من المسلمين لو جاءهم العدو فحاربوهم بغير إذن الإمام كانوا سراقا وليس هؤلاء بسراق بل هؤلاء المطيعون لله المجاهدون في سبيل الله المؤدون ما افترض عليهم من النفير والجهاد ، والمتناولون نافلة الخير والفضل فأما ما احتج به من قول الله عز وجل { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } وحكم الله في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سمي معه فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة بني النضير فقاتلوهم بين بيوتهم لا يوجفون بخيل ولا ركاب ولم يكلفوا مؤنة ولم يفتتحوا عنوة وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معهم والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا يضمها حيث يضع ماله ثم أجمع أئمة المسلمين على أن ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو لجماعة المسلمين لأن أحدا لا يقوم بعده مقامه صلى الله عليه وسلم ولو كانت حجة أبي يوسف في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب كان ينبغي أن يقول يخمس ما أصابا وتكون الأربعة الأخماس لهما لأنهما موجفان فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول هذا لجماعة المسلمين أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحشر فما قال بما تأول ولا بكتاب في الخمس فإن الله عز وجل أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف .

التالي السابق


الخدمات العلمية