الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في قسم الضمان الثاني وهو كفالة البدن وفيها خلاف أصله قول الشافعي رضي الله عنه إنها ضعيفة ( والمذهب ) منه ( صحة كفالة البدن ) وهي التزام إحضار المكفول أو جزء منه شائع كعشره أو ما لا بقاء بدونه كروحه أو رأسه أو قلبه إلى المكفول له لإطباق الناس عليها ومسيس الحاجة إليها ومعنى ذلك أنها ضعيفة من جهة القياس لأن الحر لا يدخله تحت اليد ويشترط تعيينه فلا يصح كفلت بدن أحد هذين ( فإن كفل ) بفتح الفاء أفصح من كسرها ( بدن ) عداه كغيره بنفسه لأنه بمعنى ضمن لكن قيل أئمة اللغة لم يستعملوه إلا متعديا بالباء [ ص: 258 ] ا هـ .

                                                                                                                              ولعله لكونه الأفصح أما كفل بمعنى عال كما في الآية فمتعد بنفسه دائما أي وما ورد في حديث الغامدية الآتي الباء فيه زائدة تأكيدا ( من عليه مال ) أو عنده مال ولو أمانة ( لم يشترط العلم بقدره ) لما يأتي أنه لا يغرمه ( ويشترط كونه ) أي ما على المكفول ( مما يصح ضمانه ) فلا تصح ببدن [ ص: 259 ] مكاتب بالنجوم أما غيرها ففيه ما مر في شرح قوله وكونه لازما ولا ببدن من عليه نحو زكاة كذا أطلقه الماوردي ومحله إن تعلقت بالعين قبل التمكن بخلاف ما إذا كانت في الذمة أو تعلقت بالعين وتمكن منها لصحة ضمان الأولى ومثلها الكفارة وضمان رد الثانية .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) ( قوله أو قلبه ) أو كبده أو دماغه كما في شرح الروض ( قوله لأنه بمعنى ضمن ) صريح في أن كونه بهذا المعنى يقتضي تعديته بنفسه وقضية شرح الروض عكسه فإنه قال فإن قلت كفل متعد بنفسه كقوله تعالى { وكفلها زكريا } فلم عداه المصنف بغيره قلت ذاك بمعنى عال وما هنا بمعنى ضمن والتزم واستعمال [ ص: 258 ] كثير من الفقهاء له متعديا بنفسه يؤول فإن صاحبي الصحاح والقاموس وغيرهما من أئمة اللغة لم يستعملوه إلا متعديا بغيره ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولو أمانة ) به مع الفرع الآتي آخر الفصل يعلم أن الأمانة لا يصح ضمانها ويصح التكفل ببدن من هي عنده ( قول المصنف ويشترط كونه مما يصح ضمانه ) عبارة العباب تصح الكفالة ببدن معين عليه مال يصح ضمانه ا هـ .

                                                                                                                              قال الشارح في شرحه ويصح أيضا ببدن من عنده مال لغيره ولو أمانة كوديعة ورهن كما في عمدة السراج لابن الملقن وحذفه كالروض وأصله لما هو واضح أن ضمان هذا لا يشترط فيه كأنه يصح ضمانه بل الظاهر أن من تحت يده اختصاصات نجسة يصح التكفل ببدنه كما أفهمه قولهم استحق إحضاره وبهذا الذي ذكرته يعلم رد قولشيخنا وقوله أي الروض كأصله من عليه مال يوهم أن الكفالة لا تصح ببدن من عنده مال للغير وليس مرادا بل يصح وإن كان المال أمانة كوديعة كما شمله قوله فيما يأتي أو استحق إحضاره ا هـ .

                                                                                                                              وذلك لأن حذفه ليس إلا لكونه لو ذكر لا وهم أنه يشترط في صحة التكفل ببدن الوديع كون الوديعة مالا يصح ضمانه وليس كذلك بل الذي يتجه صحة التكفل ببدنه وإن كانت الوديعة اختصاصا كما تقرر فتأمله ا هـ .

                                                                                                                              وأقول عندي أن رده على الشيخ ليس في محله لأن ما ادعاه الشيخ من إيهام العبارة ما ذكر مما لا شبهة فيه وأما ما أورده عليه بقوله وذلك لأن حذفه إلخ فمع كونه لا يدفع إيهام العبارة ما ذكر لا يرد على الشيخ إذ لم يعترض بأنه كان ينبغي الاقتصار على ذكر التكفل بمن عنده مال بل يجوز أن يكون مقصوده الاعتراض بأنه كان ينبغي ذكره وذلك صادق بذكره في ضمن ذكر التكفل بمن عنده حق أعم من المال والاختصاص فتأمله فإنه دقيق ثم لا يخفى أن الاعتراض بذلك لا يرد على المنهاج لأن قوله فإن كفل [ ص: 259 ] إلخ يفهم عدم الانحصار في التكفل بمن عنده مال فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله مكاتب بالنجوم ) أخرج ديون المعاملة لما تقدم من صحة ضمانها لغير السيد فينبغي أن يصح التكفل به لغير السيد بخلاف السيد وإن استحق إحضاره مجلس الحكم كما هو ظاهر فليراجع ( قوله نحو زكاة إلخ ) قال في الروض تصح الكفالة ببدن من عليه مال يصح ضمانه وإن جهل قال في شرحه أو كان زكاة ا هـ .

                                                                                                                              وقد تقدم في الشرح صحة ضمان الزكاة وما يتعلق به ( قوله أو تعلقت بالعين وتمكن منها ) هلا صح التكفل وإن لم يتمكن من أدائها إذ غاية الأمر أنها في يده أمانة أو في معناها وذلك لا يمنع صحة التكفل فليراجع



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في كفالة البدن ) ( قوله في قسم الضمان إلخ ) أي وما يترتب عليه ككونه يغرم أولا ا هـ ع ش ثم قوله المذكور إلى قول المتن بدن إلخ في النهاية ( قوله الثاني ) نعت للمضاف ( قوله وهو كفالة البدن ) ويسمى أيضا كفالة الوجه ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله أصله ) أي الخلاف وكذا ضمير منه ا هـ ع ش ( قوله قول الشافعي ) خبر أصله ( وقوله أنها ) أي كفالة البدن ( ضعيفة ) مقول القول ( قوله أو ما لا بقاء إلخ ) عطف على المكفول ولو حذف لفظة ما عطفا على شائع لكان أولى ( قوله كروحه إلخ ) أي حيث كان المتكفل بجزئه حيا نهاية ( قوله أو قلبه ) أو كبده أو دماغه كما في شرح الروض ا هـ سم ( قوله لإطباق الناس إلخ ) تعليل للمتن ( قوله ومعنى ذلك إلخ ) هذا جواب عن جهة المذهب عما يورده عليه مقابله من قول الشافعي المذكور ا هـ رشيدي ( قوله قيل أئمة اللغة إلخ ) عبارة المختار والكفيل الضامن وقد كفل به يكفل بالضم كفالة وكفل عنه بالمال لغريمه وأكفله المال ضمنه إياه وكفله إياه بالتخفيف فكفل هو به من باب نصر ودخل وكفله إياه تكفيلا مثله وتكفل بدينه والكافل الذي يكفل إنسانا يعوله ومنه قوله تعالى { وكفلها زكريا } ا هـ ع ش ( قوله لم يستعملوه ) [ ص: 258 ] أي كفل بمعنى ضمن ا هـ ع ش ( قوله انتهى ) أي كلام القيل ( قوله ولعله لكونه إلخ ) أي ما فعله أئمة اللغة ( قوله أما كفل إلخ ) عديله ما تضمنه قوله لأنه بمعنى ضمن إلخ ( قوله وما ورد في حديث الغامدية إلخ ) الوارد في حديثها كما سيأتي تكفل ا هـ سيد عمر ( قوله أو عنده مال ) عبارة المغني قوله كأصله من عليه مال يوهم أن الكفالة لا تصح ببدن من عنده مال لغيره وليس مرادا بل تصح وإن كان المال أمانة كوديعة لأن الحضور مستحق عليه فيشمله الضابط الآتي ثم قال تنبيه الضابط لصحة الكفالة وقوعها بإذن المكفول مع معرفة الكفيل له ببدن من لزمه إجابة إلى مجلس الحكم أو استحق إحضاره إليه عند الاستعداء للحق كالكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها لأن الحضور مستحق عليها أو ببدن رجل تدعي امرأة زوجيته أو ببدن امرأة لمن ثبتت زوجيته وكذا عكسه كما بحثه شيخنا وكأن يكون الزوج موليا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولو أمانة ) قد يخالف هذا ما يأتي في قوله ويشترط كونه مما يصح ضمانه إذ الأمانة لا يصح ضمانها ويجاب بأنه فيما يأتي لم يقتصر على ما ذكر بل ذكر بعده صحة كفالة من عليه عقوبة لآدمي وألحق به من عليه حق لآدمي يستحق بسببه حضوره في مجلس الحكم إذا طلب له ومنه الوديع والأجير ونحوهما فإنهم إذا طلبوا وجب عليهم الحضور لكن قد يتوقف في الوديع فإن اللازم له التخلية فلا يجب عليه الحضور لمجلس الحكم إلا أن يقال قد يطرأ عليه ما يوجب حضوره مجلس الحكم كما لو ادعى ضياع العين فطلب مالكها حضوره ا هـ ع ش عبارة سم قوله ولو أمانة به مع الفرع الآتي آخر الفصل يعلم أن الأمانة لا يصح ضمانها ويصح التكفل ببيان من هي عنده ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أنه لا يغرمه ) أي لا يطلب بالغرم فلا ينافي ما سيأتي للشارح م ر أنه لو امتنع حبس ما لم يؤد المال لأن التأدية تبرع منه ومن ثم لو حضر المكفول أو تعذر حضوره استرد ما غرمه ا هـ ع ش قول المتن ( ويشترط كونه إلخ ) عبارة العباب تصح الكفالة ببدن معين عليه مال يصح ضمانه انتهى قال الشارح في شرحه ويصح أيضا ببدن من عنده مال لغيره ولو أمانة كوديعة ورهن كما في عمدة السراج لابن الملقن وحذفه كالروض وأصله لما هو واضح أن ضمان هذا لا يشترط فيه كونه يصح ضمانه بل الظاهر أن من تحت يده اختصاصات نجسة يصح التكفيل ببدنه كما أفهمه قولهم استحق إحضاره انتهى ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله أي ما على المكفول ) عبارة النهاية أي المال المكفول بسببه ا هـ قال ع ش قوله م ر أي المال أي الذي عليه بصفة كونه دينا أو عنده وهو عين ا هـ وعبارة الرشيدي قوله م ر أي المال إلخ عبارة [ ص: 259 ] التحفة أي ما على المكفول انتهت فأخرج بذلك ما عنده من العين فتلخص أنه إن كفله بسبب عين عنده صح وإن كانت أمانة وإن كفله بسبب دين فلا بد أن يكون مما يصح ضمانه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بالنجوم ) أخرج ديون المعاملة لما تقدم من صحة ضمانها لغير السيد فينبغي أن يصح التكفل به لغير السيد بخلاف السيد وإن استحق إحضاره مجلس الحكم كما هو ظاهر فليراجع ا هـ سم ( قوله وغيرها ) أي غير النجوم كديون المعاملة لكن للسيد بخلاف غيره كما أشار إليه بقوله على الأصح السابق إلخ ( قوله نحو زكاة إلخ ) قال في الروض تصح الكفالة ببدن من عليه مال يصح ضمانه وإن جهل قال في شرحه أو كان زكاة ا هـ .

                                                                                                                              وقد تقدم في الشرح أي والنهاية والمغني صحة ضمان الزكاة وما تتعلق به ا هـ سم ( قوله بخلاف ما إذا كانت في الذمة إلخ ) معتمد ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أو تعلقت بالعين وتمكن منها ) هلا صح التكفل وإن لم يتمكن من أدائها إذ غاية الأمر أنها في يده أمانة أو ما في معناها وذلك لا يمنع صحة التكفل فليراجع ا هـ سم .

                                                                                                                              أقول قد يفرق بجواز طلب نحو الأمانة دون الزكاة قبل التمكن ( قوله وضمان رد الثانية ) عطف على ضمان الأولى أي ولصحة ضمان رد الثانية إلى الساعي




                                                                                                                              الخدمات العلمية