الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الأول .

في فضيلة الحلال ومذمة الحرام .

وبيان أصناف الحلال ودرجاته وأصناف الحرام ودرجات الورع فيه .

فضيلة الحلال ومذمة الحرام .

قال الله تعالى كلوا من الطيبات واعملوا صالحا أمر بالأكل من الطيبات قبل العمل وقيل : إن المراد به الحلال .

وقال تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية .

وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ثم قال فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، ثم قال وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ثم قال ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون جعل آكل الربا أول الأمر مؤذنا بمحاربة الله وفي آخره متعرضا للنار .

التالي السابق


(الباب الأول في تفصيل الحلال والحرام)

(وفيه فضيلة الحلال ومذمة الحرام و) فيه أيضا (بيان أصناف الحلال) وأنواعه (ودرجاته) ، وبيان (أصناف الحرام ودرجات الورع فيه) ، فأول ما يذكر فيه:

( فضيلة الحلال ومذمة الحرام )

فمن الآيات: (قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا أمرهم) [ ص: 6 ] الله تعالى (بالأكل من الطيبات قبل العمل) ، فهم ذلك من تقديم الجملة الأولى على الثانية، وفيه كمال التنويه بشأنه حيث قدمه على العمل الصالح (قيل: إن المراد به الحلال) ، نقله صاحب القوت حيث قال: فأمر بأكل الحلال قبل العمل، وهكذا قال العلماء: زكاة الأعمال بأكل الحلال، فما كانت الطعمة أحل كان العمل أزكى وأرفع، وعلى هذا المنوال قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم قيل: من الحلال، (وقال تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) إلى قوله: ولا تقتلوا أنفسكم قيل: من أكل حراما فقد قتل نفسه لأنه سبب إهلاكها وتعذيبها، فعرف من ذلك أن أكل أموال الناس بالباطل حرام، وفي ارتكابه إهلاك النفس (وقال عز وجل: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) أي: تعديا من غير أن يكون لهم فيها حق ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) ، أي: مثل النار (وسيصلون سعيرا) ، ووجه الاستدلال بها التعريف بأن أكل أموال اليتامى حرام ووعيده شديد، (وقال تعالى) يا أيها الذين آمنوا ( اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ثم قال) تعالى: ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، ثم قال) تعالى: ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ) ، لا تظلمون ولا تظلمون، (ثم قال) تعالى: ( ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، فما توعد الله تعالى ولا تهدد في معصية بمثل ما توعد في أكل الربا ، فإنه عز وجل عظم شأنه بوصفين عظيمين إعظاما له وترهيبا منه حيث (جعل آكل الربا في أول الأمر مأذونا) ، أي: معلما (بمحاربة الله) عز وجل والرسول، (وفي آخره متعرضا للنار) بالخلود فيها، ومن ذلك اشترط للإيمان ترك الربا بقوله: إن كنتم مؤمنين، وهي للشرط والجزاء، ثم أوجب التوبة بعد إعلامه بالظلم منهم في قوله: وإن تبتم إلى آخرها، ثم نص على تحريمه بقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا ، ثم توعد بالخلود في النار بقوله: هم فيها خالدون ، وهذا من شديد الخطاب وعظيم العذاب، فلذلك يخاف على مدمن الربا المختوم له به غير التائب منه أن يموت على الكفر لعلة ذكر الخلود .




الخدمات العلمية