الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القرعة في المماليك وغيرهم

( قال الشافعي ) : رضي الله عنه كانت قرعة العرب قداحا يعملونها منحوتة مستوية ثم يضعون على كل قدح منها علامة رجل ثم يحركونها ثم يقبضون بها على جزء معلوم ، فأيهم خرج سهمه عليه كان له ( قال ) : وأحب القرعة إلي وأبعدها من أن يقدر المقرع فيها على الحيف فيما أرى أن يقطع رقاعا صغارا مستوية ، فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم ، حتى يستوظف أسماءهم ، ثم تجعل في بنادق طين مستوية لا تفاوت بينها ، فإن لم يقدر على ذلك إلا بوزن وزنت ، ثم تستجف قليلا ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر الكتاب ولا إدخالها في البنادق ويغطى عليها ثوبه ثم يقال : أدخل يدك فأخرج بندقة ، فإذا أخرجها فضت وقرأ اسم صاحبها ثم دفع إليه الجزء الذي أقرع عليه ، ثم يقال : أقرع على السهم الذي يليه ، ثم هكذا ما بقي من السهمان شيء حتى ينفد .

وهكذا في الرقيق وغيره سواء ، فإذا مات ميت وترك رقيقا قد أعتقهم كلهم ، أواقتصر بعتقه على الثلث ، أو أعتق ثلثيهم ولا مال له غيرهم وقيمتهم سواء ، جزئوا ثلاثة أجزاء فكتب سهم العتق في واحد وسهما الرق في اثنين ثم أمر الذي يخرج السهام فقيل : أخرج على هذا الجزء ويعرف الذي يخرج عليه ، فإن خرج سهم العتق عتق الجزء الذي أمر أن يخرج عليه وبقي الجزءان الآخران ، فإن أراد الورثة أن يقرع بينهم ، فكانا اثنين كتبنا اسميهما ثم قلنا : أخرج على هؤلاء فأيهم خرج سهمه فهو له والباقي للثاني ، فإن كان ورثته اثنين كتبنا اسميهما ، فأيهما خرج سهمه على الرقيق أخذ جزأه الذي خرج عليه ، وإن كانوا أكثر وكانت حقوقهم مختلفة أخذنا الثلثين اللذين بقيا رقيقين واستأنفنا فأقرعنا ثم أقرعنا بينهم قرعة جديدة مستأنفة ، وإن خرج سهم الرق أولا على جزء رقوا ، ثم قيل أخرج ، فإن خرج سهم العتق على الجزء الثاني عتقوا ورق الثالث ، وإن خرج سهم الرق على الجزء الثاني عتق الجزء [ ص: 6 ] الثالث وإن اختلفت قيمهم جهد قاسمهم على تعديلهم ، فضم القليل الثمن إلى الكثير الثمن حتى يعتدلوا ، فإن لم يعتدلوا لتفاوت قيمهم فكانوا ستة مماليك قيمة واحد منهم مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة ، جعل الواحد جزءا والاثنين جزءا والثلاثة جزءا ، ثم أقرع بينهم ، فإن خرج سهم الواحد منهم في العتق عتق .

وكذلك إن خرج سهم الاثنين ، أو الثلاثة وإنما التعديل بينهم بالقيم استوت قيمهم ، أو اختلفت ، وإن كان الواحد قيمته مائتان والاثنان قيمتهما خمسون والثلاثة قيمتهم خمسون أقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد عتق منه الثلث من جميع المال وذلك نصف العبد وبقي نصفه والجزءان رقيقا ، فإن خرج العتق على الاثنين عتقا ، ثم أعيدت القرعة ، أقرع بين الواحد والثلاثة يبدأ تجزئتهم أثلاثا فأيهم خرج سهمه بالعتق عتق منه ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه ومن غيره ، وإن بقي من الثلث شيء يسير فخرج سهم العتق على الواحد عتق منه ما بقي من حصة العتق ، وإن خرج على اثنين أو ثلاثة وكانوا لا يخرجون معا جزئوا ثلاثة أجزاء ، ثم أقرع بينهم ، فأيهم خرج عليه سهم العتق عتق كله ، فإن خرج سهم العتق على واحد عتق كله ، أو ما حمل ما بقي من العتق منه ، فإن عتق كله وفضل فضل أقرع بين الذين بقوا معه في جزئه ; لأن العتق قد صار فيهم دون غيرهم حتى يستكمل الثلث ولا تخرج القرعة أبدا من سهم الذين خرج لهم سهم العتق أولا حتى تكمل فيهم الحرية فإن عتق واحد منهم ، ثم أقرع بين من بقي فخرجت القرعة على اثنين أقرع بينهما أيضا فأيهما خرج سهمه في العتق عتق ، أو عتق منه ما حمل الثلث فإن عتق كله وبقي من الثلث شيء عتق ما حمل الثلث من الباقي منهما وإذا كانوا ثلاثة أجزاء مختلفي القيم فأقرع بينهم فخرج سهم القرعة على جزء منهم ، ولهم عدد لا يحتملهم الثلث أقرع بين الجزء الذي خرج عليهم سهم العتق فأعتق من خرج سهمه منهم .

فإن بقي من العتق شيء أقرع بين من بقي من الجزء خاصة لأن الجزء من الاثنين عاد رقيقا ولا تخرج القرعة من الجزء الذي خرج له أولا سهم العتق حتى يستوظف الثلث ، أو يفضل فضل من العتق فيكون الجزءان الباقيان فيه سواء تبتدأ القرعة بينهم فيجزءون أثلاثا فإن لم يكن الباقون رقيقا إلا اثنين أقرع بينهما فأيهما خرج له سهم العتق عتق منه بقدر ما بقي من العتق وأرق ما بقي ولا تبتدأ القرعة بينهم أبدا إلا على تجزئة ثلاثة أجزاء ما أمكن ذلك ، وإن كان المعتقان اثنين لا مال له غيرهما فهذان لا يمكن فيهما التجزئة فيقرع بينهما فأيهما خرج سهم العتق عتق منه ما حمل ثلث المال ، فإن خرج على قليل القيمة فأعتق كله وبقي من الثلث شيء عتق من الباقي ما بقي من الثلث ورق ما بقي منه ، وإن كانوا ثمانية قيمتهم سواء ففيهم قولان ; لأن أحدهما أن يجعلوا أربعة أسهم ، ثم يقرع بينهم فإن خرج سهم الواحد ، أو الاثنين عتق ، ثم جزئ الباقون كذلك فأعيد فيهم القرعة فأيهم خرج سهمه عتق منه ما حمل الثلث .

فإن خرج سهم اثنين ولا يحملهم الثلث أقرع بينهما فأيهما خرج له العتق عتق ورق الباقي فإن عتق وبقي من الثلث شيء عتق من الباقي بقدر ما حمل الثلث منه وكان ما بقي رقيقا ، ومن قال هذا القول أشبه أن يقول كانت قيم الذين جزأهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء ; لأنه لا يعتق اثنين ويرق أربعة إلا والاثنان الثلث كاملا لا زيادة فيه ولا نقص وإن كانوا سبعة جعلهم سبعة أسهم ، ثم أقرع بينهم حتى يستكمل الثلث . والقول الثاني ، أن يجزئهم ثلاثة أجزاء فإن كانوا سبعة قيمهم سواء ضم الواحد إلى اثنين منهم ، فإن خرج له سهم العتق أقرع بينهم فأعتق من خرجت قرعته بكماله وكان ما بقي من العتق فيمن لم يخرج سهمه وهذا القول أصح وأشبه بمعنى السنة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء ، وهذا القول موافق للحديث اختلفت قيمهم ، أو لم تختلف وذلك أني جعلت لكل واحد منهم حصة من القرعة فإذا صارت على الثلاثة أعدت عليهم القرعة فإن وقعت على الاثنين عتقا .

[ ص: 7 ] واستأنفت القرعة على الخمسة الباقين من السبعة اختلفت قيمهم ، أو اتفقت ، وكذلك إن كانوا ثمانية ، أو أكثر ولا يجوز عندي أبدا أن يقرع بين الرقيق قلوا ، أو كثروا إلا على ثلاثة أسهم وذلك أنه لا يعدو الرقيق الذين أقرع بينهم أن تكون قيمهم سواء أو ضم الأقل ثمنا إلى الأكثر حتى إذا اعتدلت قيمهم فهو كما أقرع بينهم على ثلاثة أسهم وقد كان يمكن فيهم كانت قيمهم سواء أو مختلفة أن يقرع بينهم على ستة أسهم كما يقرع بين الورثة ، فإذا خرج سهم واحد أعتقه .

ثم أعاد القرعة على من بقي حتى يستوظف الثلث وكان ذلك أحب إلى الرقيق ; لأنه إن يقرع على الخمسة الباقين مرتين أحب إليهم من أن يقرع بينهم مرة وقرعة مرتين وثلاث ولا ضرر فيها على الورثة ; لأنه لا يخرج في مرة ولا مرتين ولا ثلاث إلا الثلث ، فلما أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم على ثلاثة أسهم لم يجز أن يقرع بينهم إلا على ثلاثة أسهم وإن اختلفت قيمهم وعددهم ، والله تعالى أعلم . ولو جاز إذا اختلفت قيمهم جاز إذا اتفقت قيمهم أن يقرع بينهم على قدر عدد الرقيق كما يقرع على قدر عدد الورثة ، ولكن القرعة بين الرقيق للعتق والورثة للقسم قد تختلف في موضع وإن اتفقت في غيره ، فإن قال قائل : كيف يقسم الرقيق بالقيمة ، ثم يضم القليل الثمن إلى كثيره ؟ أفرأيت إذا فعلت هذا في العتق كيف تصنع فيما يقسم بين الورثة ؟ قلنا بالقيمة ، قيل فإن اختلفت قيمهم فكان ما يبقى منهم متباين القيمة ، ففي عبد ثمن ألف وعبدين ثمن خمسمائة والورثة رجلان ؟ قيل يقرع بينهم فإن خرج سهم الأول على الواحد رد على أخيه مائتين وخمسين وإن خرج على اثنين أخذ من صاحبه مائتين وخمسين وإن قال صاحبه ليس عندي أخذ العبدين وكان شريكه في العبد الذي صار في يده بقدر ما بقي له حتى يستوفي نصف ميراث الميت .

وذلك أن يكون له ربع العبد وللآخر ثلاثة أرباعه ، وهكذا قيمة كل ما اختلفت أثمانه من أرض وثياب ودار وغير ذلك بين الورثة ، وفيها قول آخر يصح أن تنظر قيمهم فإذا كانت كما وصفت قيل للورثة : إن أحببتم أن يقرع على ما وصفنا فأيكم خرج سهمه على كثير الثمن رد ما فيه من فضل القيمة ، وأيكم خرج على قليل الثمن أخذه وما بقي من القيمة ، فإن رضوا معا بهذا فأقرعنا ، وإن لم يرضوا قلنا : أنتم قوم لكم ما لا يعتدل في القسم ، فكأنكم ورثتم ما لا ينقسم فأنتم على مواريثكم فيه حتى تصطلحوا على ما أحببتم ، أو تبيعوا فتقسموا الثمن ولا نكرهكم على البيع ، وبهذا أقول : فإن قيل وكيف لم تقل بالقيمة على الرقيق ، فإذا خرج سهم الكثير الثمن عتق كله وصار عليه ما بقي دينا للورثة إن رضي ذلك العبد ، قيل : لا يشبه الرقيق الورثة ; لأن الرقيق لا مال لهم ولو كان لهم مال كان لمالكيهم ، فلا يجوز أن أخرج عبدا بقي فيه نصفه رقيقا إلى الحرية وأحيل عليه وارثا مالكا له بدين لعله لا يأخذه أبدا بغير رضاه وأنا لو خالفت حديث عمران بن حصين وابن عمر وابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم ودخلت في الاستسعاء أخطأت القياس على ما أقسم بين الورثة ، فإن قيل فكيف يخطئه من قال هذا القول ؟ قيل : إنما يقسم على الورثة بالقيم وتزاد عليهم ويزدادون برضاهم فإذا أسخطوا أشرك بينهم فيما لا يحتمل القسم وقسم بينهم ما احتمله بالقيمة والعبيد لا أموال لهم يرضون بأن يعطوها ونحن لا نجبر من له حق في ميراث من رقيق ولا غيره أن يأخذ شيئا ويعطي معه ، أو يعطي إلا برضاه وإنما يقسم الرقيق بالقيمة ما اعتدلت القيمة بالقيمة فإذا اختلفت أقرع بينهم ، ثم أعتق بالقيمة حتى يستوظف الثلث .

فإن كانوا ستة قيمهم سواء وكان خمسة أسداسهم يخرجون أحرارا جزئوا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فإذا خرج سهم الحر على حر أقرع بينهم حتى يخرج سهم الرق على واحد ويعتق الباقون والجزءان اللذان لم يخرج عليهما سهم الرق حران ، وسواء في القرعة الرقيق الذي أعتقهم عتق بتات في مرضه ، ثم مات والذين أعتقهم بعد موته إذا كان الرقيق .

[ ص: 8 ] معتقين عتق بتات معا ، أو كانوا معتقين بعد الموت معا ، ولو كان له رقيق قد أعتقهم عتق بتات في مرضه وآخرين أعتقهم بعد موته بدئ بالذين أعتقهم عتق البتات حتى لا يبقى منهم أحد ، فإن لم يفضل من الثلث شيء لم يعتق من الذين أعتقهم بعد الموت أحد ، وسواء كانوا مدبرين ، أو موصى بعتقهم وإن فضل عن المعتقين عتق بتات من الثلث شيء أقرع بين المدبرين والموصى بعتقهم فأعتق من خرج عليه سهم العتق كما وصفت في القرعة قبل هذا وإنما سوينا بين المدبرين والموصى بعتقهم أنه كان له في المدبرين الرجوع وأنه لا تجري فيهم حرية إلا بعد موته وخروجهم من الثلث وكانت حال الموصى بعتقهم بأعيانهم والمدبرين حالهم سواء لا يختلفون عندنا ; لأن كليهما يعتق بالموت ويرق إن أحب صاحبه في حياته ولو رجع في المدبرين والموصى بعتقهم قبل يموت كان ذلك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية