الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: والذين آمنوا ...إلخ كلام مستأنف مسوق لبيان حال طائفة من أهل الجنة إثر بيان حال الكل وهم الذين شاركتهم ذريتهم في الإيمان، وهو مبتدأ خبره "ألحقناهم" وقوله تعالى: واتبعتهم ذريتهم عطف على "آمنوا". وقيل: اعتراض، وقوله تعالى: بإيمان متعلق بالاتباع أي: اتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقا، وقرئ "ذرياتهم" للمبالغة في الكثرة و"ذرياتهم" بكسر الذال، وقرئ "وأتبعناهم ذرياتهم" أي: جعلناهم تابعين لهم في الإيمان، وقرئ "أتبعتهم". ألحقنا بهم ذريتهم أي: في الدرجة كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنه تعالى يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه" ثم تلا هذه الآية. وما ألتناهم وما نقصنا الآباء بهذا الإلحاق. من عملهم من ثواب عملهم. من شيء بأن أعطينا بعض مثوباتهم أبناءهم فتنقص مثوبتهم وتنحط درجتهم وإنما رفعناهم إلى منزلتهم بمحض التفضل والإحسان، وقرئ [ ص: 149 ] "ألتناهم" بكسر اللام من ألت يألت كعلم يعلم ، والأول كضرب يضرب ، و"لتناهم" من لات يليت و"آلتناهم" من آلت يؤلت و"ولتناهم" من ولت يلت والكل بمعنى واحد، هذا وقد قيل: الموصول معطوف على حور والمعنى: قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي: بالرفقاء والجلساء منهم فيتمتعون تارة بملاعبة الحور وأخرى بمؤانسة الإخوان المؤمنين، وقوله تعالى: واتبعتهم عطف على "زوجناهم" وقوله تعالى: بإيمان متعلق بما بعده أي: بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلا عليهم وعلى آبائهم ليتم سرورهم ويكمل نعيمهم أو بسبب إيمان داني المنزلة وهو إيمان الذرية كأنه قيل: بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم. كل امرئ بما كسب رهين قيل: هو فعيل بمعنى مفعول والمعنى: كل امرئ مرهون عند الله تعالى بالعمل الصالح فإن عمله فكه وإلا أهلكه، وقيل: بمعنى الفاعل والمعنى: كل امرئ بما كسب راهن أي: دائم ثابت وهذا أنسب بالمقام فإن الدوام يقتضي عدم المفارقة بين المرء وعمله ومن ضرورته أن لا ينقص من ثواب الآباء شيء فالجملة تعليل لما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية