الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ؛ فيها قولان : جائز أن تكون من صلة " الذين أوتوا الكتاب " ؛ والمعنى : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا " ؛ ويجوز أن يكون " من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم " ؛ ويكون " يحرفون " ؛ صفة؛ والموصوف محذوف؛ أنشد سيبويه في مثل هذا قول الشاعر : [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح



                                                                                                                                                                                                                                        المعنى : منهما تارة أموت فيها؛ وقال بعض النحويين : المعنى : " من الذين هادوا من يحرفونه " ؛ فجعل " يحرفون " ؛ صلة " من " ؛ وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يحذف الموصول وتبقى صلته؛ وكذلك قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        لو قلت ما في قومها لم تيثم ...     يفضلها في حسب وميسم



                                                                                                                                                                                                                                        المعنى : ما في قومها أحد يفضلها؛ وزعم النحويون أن هذا إنما يجوز مع " من " ؛ و " في " ؛ وهو جائز إذا كان فيما بقي دليل على ما ألقي؛ لو قلت : " ما فيهم يقول ذاك " ؛ أو : " ما عندهم يقول ذاك " ؛ جازا جميعا جوازا واحدا؛ والمعنى : " ما عندهم أحد يقول ذاك " . وقوله - عز وجل - : ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ؛ كانت اليهود - لعنت - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اسمع؛ وتقول في أنفسها : لا أسمعت؛ وقيل : " غير مسمع " : غير مجاب إلى ما تدعو إليه؛ وقوله : وراعنا ؛ هذه كلمة كانت تجري بينهم على حد السخرى والهزؤ؛ وقال بعضهم : كانوا يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة؛ وقال بعضهم : كانوا يقولونها [ ص: 59 ] كبرا؛ كأنهم يقولون : أرعنا سمعك؛ أي : اجعل كلامك لسمعنا مرعى؛ وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - صلوات الله عليهم -؛ إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام؛ وقوله : ليا بألسنتهم ؛ أي : يفعلون ذلك معاندة للحق؛ وطغيانا في الدين؛ وأصل " ليا " : " لويا " ؛ ولكن الواو أدغمت في الياء؛ لسبقها بالسكون؛ وقوله : فلا يؤمنون إلا قليلا ؛ أي : فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا؛ لا يجب به أن يسموا " المؤمنين " ؛ وقال بعضهم : فلا يؤمنون إلا قليلا ؛ أي : إلا قليلا منهم؛ فإنهم آمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية