الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صنبر ]

                                                          صنبر : الصنبورة والصنبور جميعا : النخلة التي دقت من أسفلها ، وانجرد كربها وقل حملها ، وقد صنبرت . والصنبور : سعفات يخرجن في أصل النخلة . والصنبور أيضا : النخلة تخرج من أصل النخلة الأخرى من غير أن تغرس . والصنبور أيضا : النخلة المنفردة من جماعة النخل ، وقد صنبرت . وقال أبو حنيفة : الصنبور بغير هاء أصل النخلة الذي تشعبت منه العروق . ورجل صنبور : فرد ضعيف ذليل لا أهل له ، ولا عقب ، ولا ناصر . وفي الحديث : أن كفار قريش كانوا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم : محمد صنبور ، وقالوا : صنيبير أي أبتر لا عقب له ولا أخ ، فإذا مات انقطع ذكره فأنزل الله تعالى : إن شانئك هو الأبتر . التهذيب : في الحديث عن ابن عباس ، قال : لما قدم ابن الأشرف مكة قالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ؟ قال : نعم . قالوا : ألا ترى هذا الصنيبير الأبيتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية ؟ قال : أنتم خير منه فأنزلت : إن شانئك هو الأبتر وأنزلت : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . وأصل الصنبور : سعفة تنبت في جذع النخلة لا في الأرض . قال أبو عبيدة : الصنبور النخلة تبقى منفردة ويدق أسفلها وينقشر . يقال : صنبر أسفل النخلة ؛ مراد كفار قريش بقولهم صنبور أي أنه إذا قلع انقطع ذكره ، كما يذهب أصل الصنبور ؛ لأنه لا عقب له . ولقي رجل رجلا من العرب فسأله عن نخله ، فقال : صنبر أسفله وعشش أعلاه ، يعني دق أسفله وقل سعفه ويبس ؛ قال أبو عبيدة : فشبهوا النبي صلى الله عليه وسلم بها يقولون : إنه فرد ليس له ولد فإذا مات انقطع ذكره ؛ وقال أوس يعيب قوما :


                                                          مخلفون ويقضي الناس أمرهم غش الأمانة صنبور فصنبور

                                                          ابن الأعرابي : الصنبور من النخلة سعفات تنبت في جذع النخلة غير مستأرضة من الأرض ، وهو المصنبر من النخل ، وإذا نبتت الصنابير في جذع النخلة أضوتها ؛ لأنها تأخذ غذاء الأمهات ، قال : وعلاجها أن تقلع تلك الصنابير منها ، فأراد كفار قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم صنبور نبت في جذع نخلة ، فإذا قلع انقطع ، وكذلك محمد إذا مات فلا عقب له . وقال ابن سمعان : الصنابير ، يقال لها العقان والرواكيب ، وقد أعقت النخلة إذا أنبت العقان ؛ قال : ويقال للفسيلة التي تنبت في أمها الصنبور ، وأصل النخلة أيضا : صنبورها . وقال أبو سعيد : المصنبرة أيضا من النخيل التي تنبت الصنابير في جذوعها فتفسدها ؛ لأنها تأخذ غذاء الأمهات فتضويها ؛ قال الأزهري : وهذا كله قول أبي عبيدة . وقال ابن الأعرابي : الصنبور الوحيد ، والصنبور الضعيف ، والصنبور الذي لا ولد له ولا عشيرة ولا ناصر من قريب ولا غريب ، والصنبور الداهية . والصنبر : الرقيق الضعيف من كل شيء من الحيوان والشجر ، والصنبور اللئيم ، والصنبور فم القناة ، والصنبور القصبة التي تكون في الإداوة يشرب منها ، وقد تكون من حديد ورصاص ، وصنبور الحوض مثعبه ، والصنبور مثعب الحوض خاصة ؛ حكاه أبو عبيد ؛ وأنشد :

                                                          [ ص: 289 ]

                                                          ما بين صنبور إلى الإزاء

                                                          وقيل : هو ثقبه الذي يخرج منه الماء إذ غسل ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          ليهنئ تراثي لامرئ غير ذلة     صنابر أحدان لهن حفيف
                                                          سريعات موت ريثات إفاقة     إذا ما حملن حملهن خفيف

                                                          وفسره فقال : الصنابر هنا السهام الدقاق ؛ قال ابن سيده : ولم أجده إلا عن ابن الأعرابي ولم يأت لها بواحد ؛ وأحدان : أفراد ، لا نظير لها ؛ كقول الآخر :


                                                          يحمي الصريم أحدان الرجال له     صيد ومجترئ بالليل هماس

                                                          وفي التهذيب في شرح البيتين : أراد بالصنابر سهاما دقاقا شبهت بصنابير النخلة التي تخرج في أصلها دقاقا . وقوله : أحدان أي أفراد . سريعات موت أي يمتن من رمي بهن . والصنوبر : شجر مخضر شتاء وصيفا . ويقال : ثمره ، وقيل : الأرز الشجرة وثمره الصنوبر ، وهو مذكور في موضعه . أبو عبيد : الصنوبر ثمر الأرزة ، وهي شجرة ، قال : وتسمى الشجرة صنوبرة من أجل ثمرها ؛ أنشد الفراء :


                                                          نطعم الشحم والسديف ونسقي ال     محض في الصنبر والصراد

                                                          قال : الأصل صنبر مثل هزبر ثم شدد النون ، قال : واحتاج الشاعر مع ذلك إلى تشديد الراء فلم يمكنه إلا بتحريك الباء لاجتماع الساكنين فحركها إلى الكسر ، قال : وكذلك الزمرذ والزمرذي . وغداة صنبر وصنبر : باردة . وقال ثعلب : الصنبر من الأضداد يكون الحار ، ويكون البارد ؛ حكاه ابن الأعرابي . وصنابر الشتاء : شدة برده ، وكذلك الصنبر بتشديد النون وكسر الباء . وفي الحديث : أن رجلا وقف على ابن الزبير حين صلب ، فقال : قد كنت تجمع بين قطري الليلة الصنبرة قائما ، هي الشديدة البرد . والصنبر والصنبر : البرد ، وقيل : الريح الباردة في غيم ؛ قال طرفة :


                                                          بجفان نعتري نادينا     وسديف حين هاج الصنبر

                                                          وقال غيره : يقال صنبر بكسر النون . قال ابن سيده : وأما ابن جني ، فقال : أراد الصنبر فاحتاج إلى تحريك الباء فتطرق إلى ذلك فنقل حركة الإعراب إليها تشبيها بقولهم : هذا بكر ومررت ببكر ، فكان يجب على هذا أن يقول الصنبر فيضم الباء ؛ لأن الراء مضمومة إلا أنه تصور معنى إضافة الظرف إلى الفعل فصار إلى أنه كأنه قال : حين هيج الصنبر ، فلما احتاج إلى حركة الباء تصور معنى الجر فكسر الباء ، وكأنه قد نقل الكسرة عن الراء إليها ، كما أن القصيدة المنشدة للأصمعي التي فيها :


                                                          كأنها وقد رآها الرائي

                                                          إنما سوغه ذلك مع أن الأبيات كلها متوالية على الجر أنه توهم فيه معنى الجر ألا ترى أن معناه كأنها وقت رؤية الرائي فساغ له أن يخلط هذا البيت بسائر الأبيات ، وكأنه لذلك لم يخالف ، قال : وهذا أقرب مأخذا من أن يقول إنه حرف القافية للضرورة كما حرفها الآخر في قوله :


                                                          هل عرفت الدار أو أنكرتها     بين تبراك وشسي عبقر

                                                          في قول من قال عبقر فحرف الكلمة . والصنبر بتسكين الباء : اليوم الثاني من أيام العجوز ؛ وأنشد :


                                                          فإذا انقضت أيام شهلتنا     صن وصنبر مع الوبر

                                                          قال الجوهري : ويحتمل أن يكونا بمعنى ، وإنما حركت الباء للضرورة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية