الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ) فيه بحث وهو أن عتا يستعمل بعلى قال تعالى : ( أيهم أشد على الرحمن عتيا ) [ مريم : 69 ] وههنا استعمل مع كلمة عن فنقول فيه معنى الاستعتاء فحيث قال تعالى : ( عن أمر ربهم ) كان كقوله : ( لا يستكبرون عن عبادته ) [ الأعراف : 206 ] وحيث قال على كان كقول القائل فلان يتكبر علينا ، والصاعقة فيه وجهان ذكرناهما هنا .

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنها الواقعة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : الصوت الشديد وقوله : ( وهم ينظرون ) إشارة إلى أحد معنيين إما بمعنى تسليمهم وعدم قدرتهم على الدفع كما يقول القائل للمضروب يضربك فلان وأنت تنظر إشارة إلى أنه لا يدفع ، وإما بمعنى أن العذاب أتاهم لا على غفلة بل أنذروا به من قبل بثلاثة أيام وانتظروه ، ولو كان على غفلة لكان لمتوهم أن يتوهم أنهم أخذوا على غفلة أخذ العاجل المحتاج ، كما يقول المبارز الشجاع أخبرتك بقصدي إياك فانتظرني .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله تعالى : ( فما استطاعوا من قيام ) يحتمل وجهين .

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة ، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلا عن أن يهرب ، وعلى هذا فيه لطائف لفظية .

                                                                                                                                                                                                                                            إحداها : قوله تعالى : ( فما استطاعوا ) فإن الاستطاعة دون القدرة ; لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبئ عن عدم القدرة والاستقلال ، فمن استطاع شيئا كان دون من يقدر عليه ، ولهذا يقول المتكلمون الاستطاعة مع الفعل أو قبل الفعل إشارة إلى قدرة مطلوبة من الله تعالى مأخوذة منه وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( هل يستطيع ربك ) [ المائدة : 112 ] على قراءة من قرأ بالتاء وقوله : ( فما استطاعوا ) أبلغ من قول القائل ما قدروا على قيام .

                                                                                                                                                                                                                                            ثانيها : قوله تعالى : ( من قيام ) بزيادة من ، وقد عرفت ما فيه من التأكيد .

                                                                                                                                                                                                                                            ثالثها : قوله : ( قيام ) بدل قوله " هرب " لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : هو أن المراد [ ص: 193 ] " من قيام " القيام بالأمر ، أي ما استطاعوا من قيام به .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله تعالى : ( وما كانوا منتصرين ) أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب ، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين ، وقد عرفت أن قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله : ( انتصر ) [ الشورى: 41] أي لشيء من شأنه ذلك ، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية