الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                4709 ( 4 ) ما ذكر في موسى عليه السلام من الفضل

                                                                                ( 1 ) حدثنا أبو خالد عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال : خرج موسى عليه السلام ينادي : لبيك ، وجبال الروحاء تجيبه .

                                                                                ( 2 ) حدثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد أن رجلا من الأنصار سمع رجلا من اليهود وهو في السوق وهو يقول : والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر ، فضرب وجهه ، أي خبيث ، أعلى أبي القاسم ، فانطلق اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم ، ضرب وجهي فلان ، فأرسل إليه فدعاه فقال : لم ضربت وجهه ؟ فقال إني مررت به في السوق فسمعته يقول : والذي اصطفى موسى على البشر ، فأخذتني غضبة فضربت وجهه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق ممن صعق فأفاق قبلي أو حوسب بصعقته الأولى ، أو قال : كفته صعقته الأولى .

                                                                                ( 3 ) حدثنا يعلى بن عبيد قال ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال : إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكلمه موسى مرتين ورآه محمد مرتين .

                                                                                ( 4 ) حدثنا ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن قيس بن عباد ، وكان من أكثر الناس أو من أحدث الناس عن بني إسرائيل قال : فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف ، وكان مقدمة فرعون سبعمائة ألف كل رجل منهم على [ ص: 452 ] حصان ، على رأسه بيضة وبيده حربة وهو خلفهم في الدهم ، فلما انتهى موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى البحر قالت بنو إسرائيل : أين ما وعدتنا ؟ هذا البحر بين أيدينا ، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا ، فقال موسى عليه السلام للبحر : انفلق أبا خالد ، فقال : لا أنفلق لك يا موسى ، أنا أقدم منك خلقا أو أشد ، قال : فنودي أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق ، قال الجريري : وكانوا اثني عشر سبطا ، وكان لكل سبط منهم طريق ، فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر هابت الخيل ، ومثل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها فاشتد فتبعه الخيل ، فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر خرج آخر بني إسرائيل من البحر فانصفق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا ، قال : فلم يعد أن سمع الله تكذيبهم نبيه ، فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر يراه بنو إسرائيل .

                                                                                ( 5 ) حدثنا شبابة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسري ببني إسرائيل بلغ فرعون ، فأمر بشاة فذبحت ، ثم قال : لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط ، [ ص: 453 ] قال : فانطلق موسى عليه السلام حتى انتهى إلى البحر فقال له : انفرق ، فقال البحر : لقد استكثرت يا موسى ، وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأنفرق لك ؟ قال : ومع موسى عليه السلام رجل على حصان ، قال له ذاك الرجل : أين أمرت يا نبي الله ، قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال : فأقحم فرسه فسبح به ، فخرج فقال : أين أمرت يا نبي الله ؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال : والله ما كذبت ولا كذبت ، قال : ثم اقتحم الثانية فسبح به ثم خرج فقال : أين ما أمرت به يا نبي الله ، قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال : والله ما كذبت ولا كذبت ، قال : فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك ، فضرب موسى بعصاه فانفلق ، فكان كل فرق كالطود العظيم كالجبل العظيم فكان فيه اثنا عشر طريقا لاثني عشر سبطا ، لكل سبط طريق يتراءون ، فلما خرج أصحاب موسى عليه السلام وتتام أصحاب فرعون التقى البحر عليهم فأغرقهم .

                                                                                ( 6 ) حدثنا ابن فضيل عن سليمان التيمي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي قال : انطلق موسى وهارون عليهما السلام وانطلق شبر وشبير ، فانتهوا إلى جبل فيه سرير فنام عليه هارون فقبض روحه ، فرجع موسى إلى قومه فقالوا : أنت قتلته ، حسدتنا على خلقه أو على لينه ، أو كلمة نحوها الشك من سفيان قال : كيف أقتله ومعي أبناؤه ، قال : فاختاروا سبعين رجلا ، قال : فاختاروا من كل سبط عشرة ، قال : وذلك قوله : واختار موسى قومه سبعين رجلا فانتهوا إليه ، فقالوا : من قتلك يا هارون ؟ قال : ما قتلني أحد ، ولكن توفاني الله ، قالوا : يا موسى ما نعصي ؟ قال : فأخذتهم الرجفة ، فجعل يتردد يمينا وشمالا ويقول : لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك ، قال : فدعا الله فأحياهم وجعلهم أنبياء كلهم [ ص: 454 ]

                                                                                ( 7 ) حدثنا عبيد الله قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطاب أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ، فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال : ما خطبكما ؟ فأخبرتاه فأتى الحجر فرفعه ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم ورجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه ، وتولى موسى عليه السلام إلى الظل فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال : فجاءته إحداهما تمشي على استحياء واضعة ثوبها على وجهها ، قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ؛ قال لها : امشي خلفي وصفي لي الطريق ، فإني أكره أن تصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك ، فلما انتهى إلى أبيها قص عليه ، قالت إحداهما : يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال : يا بنية ، ما علمك بأمانته وقوته ؟ قالت : أما قوته فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة ، وأما أمانته فقال لي " امشي خلفي وصفي لي الطريق فإني أخاف أن تصيب الريح ثوبك فتصف جسدك ، فقال عمر " فأقبلت إليه ليست بسلفع من النساء لا خراجة ولا ولاجة ، ومعه ، ثوبها على وجهها .

                                                                                ( 8 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير وعن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال : لما أتى موسى قومه فأمرهم بالزكاة ، فجمعهم قارون فقال : هذا قد جاءكم بالصوم والصلاة وبأشياء تطيقونها ، تحتملون أن تعطوه أموالكم ؟ قالوا " ما نحتمل أن نعطيه أموالنا فما ترى ؟ قال : أرى أن نرسل إلى بغي بني إسرائيل فنأمرها أن نرميه على رءوس الأجناد والناس بأنه أرادها على نفسها ، ففعلوا ، فرمت موسى عليه السلام على رءوس الناس فدعا الله عليهم ، فأوحى الله تعالى إلى الأرض أن أطيعيه ؛ فقال لها موسى عليه السلام " خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم ، قال : فجعلوا يقولون : يا موسى [ ص: 455 ] يا موسى ، قال : خذيهم ، فأخذتهم إلى حجزهم ، فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى فقال : خذيهم ، فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا يقولون : يا موسى يا موسى ، قال : فأخذتهم فغيبتهم ، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : يا موسى ، سألك عبادي وتضرعوا إليك فأبيت أن تجيبهم ، أما وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم .

                                                                                ( 9 ) حدثنا حسين بن علي عن موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل وألقيت عليك محبة مني قال : حببتك إلى عبادي .

                                                                                ( 10 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقربناه نجيا حتى سمع صريف القلم .

                                                                                ( 11 ) حدثنا وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى عليه السلام ؟ قال : أوفاهما وأتمهما .

                                                                                ( 12 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سئل أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وآخرهما .

                                                                                ( 13 ) حدثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها قال : قال له قومه : إنه آدر ، قال : فخرج ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة فخرجت الصخرة تشتد بثيابه وخرج يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل قال : فرأوه ليس بآدر ، قال : فذاك قوله : فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها .

                                                                                ( 14 ) حدثنا أبو أسامة قال ثنا عوف عن الحسن وخلاس بن عمرو ومحمد عن أبي هريرة في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها قال : كان من أذاهم إياه أن نفرا من بني إسرائيل قالوا : ما يستتر منا موسى هذا التستر إلا من عيب بجلده : إما برص وإما آفة وإما أدرة ، وإن الله [ ص: 456 ] أراد أن يبرئه مما قالوا ، قال : وإن موسى عليه السلام خلا ذات يوم وحده ، فوضع ثوبه على حجر ثم دخل يغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثوبه ليأخذه عدا الحجر بثوبه ، فأخذ موسى عليه السلام عصاه في أثره فجعل يقول : ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا ، فإذا كأحسن الرجال خلقا ، فبرأه الله مما يقولون ، قال : وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق موسى يضرب الحجر بعصاه ، فوالله إن بالحجر الآن من أثر ضرب موسى ذكر ثلاثا أو أربعا أو خمسا .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية