الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 431 ] 470 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أكثر أهل الجنة البله وما يدخل في ذلك

2982 - حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أكثر أهل الجنة البله .

[ ص: 432 ] فذكرت هذا الحديث لأحمد بن أبي عمران ، فقال : معناه معنى صحيح .

والبله المرادون فيه : هم البله عن محارم الله - عز وجل - لا من سواهم ممن به نقص العقل بالبله ، ومنه الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2983 - فذكر ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا الحسين بن محمد المروزي ، قال : حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف ، عن حسان بن عطية ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحياء [ ص: 433 ] والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق .

2984 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثنا محمد بن مطرف ، يعني : أبا غسان ، ثم ذكر بإسناده مثله . قال أبو جعفر : ومن ذلك قول الله - عز وجل - : لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ، أي لا [ ص: 434 ] يفقهون بقلوبهم الخير ، ولا يسمعونه بآذانهم لما قد غلب على قلوبهم وعلى أسماعهم ، فمنعهم من ذلك .

ومنه ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : حبك الشيء يعمي ويصم ، وسنأتي به فيما بعد إن شاء الله .

ومنه ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا .

2985 - كما حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن عمارة ، وهو ابن القعقاع ، عن أبي زرعة ، [ ص: 435 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : سلوني ، فهابوه أن يسألوه ، فجاء رجل ، فجلس عند ركبته ، فقال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : ألا تشرك بالله شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، قال : صدقت ، قال : ما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله ، وتؤمن بالبعث ، وتؤمن بالقدر كله ، قال : صدقت ، قال : يا رسول الله ، فما الإحسان ؟ قال : أن تخشى الله عز وجل كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : يا رسول الله ، متى تقوم الساعة ؟ قال : ما المسؤول بأعلم من السائل ، وسأحدثك من أشراطها : إذا رأيت المرأة تلد ربتها ، فذلك من أشراطها ، وإذا رأيت الحفاة العراة البكم الصم ملوك الأرض ، فذلك من أشراطها ، وإذا رأيت رعاء الغنم يتطاولون في البنيان ، فذلك من أشراطها ، في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله عز وجل ، ثم قرأ هذه الآية : إن الله عنده علم الساعة ، إلى آخر السورة ، ثم قام الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوه علي ، فالتمسوه فلم يجدوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 436 ] قال أبو زرعة : إذ لم يسألوه .

ففي هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة : وإذا رأيت الحفاة العرة ، البكم الصم ، ملوك الأرض ، فذلك من أشراطها ، ليس يعني بذلك البكم المتعارف ، ولا الصم المتعارف ، ولكن يعني بالبكم عن القول المحمود ، ويعني بالصم الصم عن القول المحمود ، ومثل هذا في القرآن في غير موضع ، منه ما قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هذا معناه عند أهل العلم .

2986 - وهو ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، واليوم كالساعة ، والساعة كاحتراق السعفة .

[ ص: 437 ] فمعناه عند أهل العلم : أن أفهامهم التي يفهم بها هذه الأشياء ، ويوقف على مقاديرها مشغولة بما قد غلب عليها مما لا يعلمون مقادير تلك الأشياء ، فيرون بذلك أنها قد نقصت عن ما كانت عليه قبل حدوث هذه الأشياء بأفهامهم ، وليس الأمر فيها كذلك ، ولكنها بحالها في مقاديرها على ما كانوا يعرفونها به فيما قبل ، وكان ما غيرها عندهم ونقص مقاديرها في ظنونهم شغل أفهامهم بغيرها حتى ظنوا ما ظنوا مما الأمر في الحقيقة بحاله ، وعلى ما كان عليه قبل ذلك .

وقد روي عن رجل من أهل العلم في ذلك ، وهو أبو سنان ، ما قد حدثنا ابن أبي عمران ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، أو يعقوب بن سفيان - أبو جعفر شك - قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : سألت أبا سنان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة ، ثم ذكر هذا الحديث ، فقال : هذا على التشاغل باللذات ، وهذا تأويل حسن ، وهو يوافق ما ذكرنا مما تأولنا عليه ما تقدمت روايتنا له في هذا الباب ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية