الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن دونهما جنتان ( 62 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 63 ) مدهامتان ( 64 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 65 ) فيهما عينان نضاختان ( 66 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 67 ) ) [ ص: 69 ]

يقول - تعالى ذكره - : ومن دون هاتين الجنتين - اللتين وصف الله - جل ثناؤه - صفتهما - التي ذكر أنهما لمن خاف مقام ربه - جنتان .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( ومن دونهما ) في هذا الموضع ، فقال : بعضهم : معنى ذلك : ومن دونهما في الدرج .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال : ثنا إسحاق بن سليمان قال : ثنا عمرو بن أبي قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله " وكان عرشه على الماء " قال : كان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها جنة أخرى ، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة . قال : ( ومن دونهما جنتان ) وهي التي لا تعلم - أو قال : وهما التي لا تعلم - نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيهما ، أو ما فيها ، يأتيهم كل يوم منها أو منهما تحفة .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير بنحوه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن دونهما في الفضل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ومن دونهما جنتان ) : هما أدنى من هاتين لأصحاب اليمين .

وقوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول : فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم - بإثابته أهل الإحسان ما وصف من هاتين الجنتين - تكذبان ؟

وقوله : ( مدهامتان ) يقول - تعالى ذكره - : مسوادتان من شدة خضرتهما .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 70 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( مدهامتان ) يقول : خضراوان .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( مدهامتان ) قال : خضراوان من الري ، ويقال : ملتفتان .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : أخبرنا محمد بن بشر قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حارثة بن سليمان السلمي قال : سمعت ابن الزبير وهو يفسر هذه الآية على المنبر ، وهو يقول : هل تدرون ما ( مدهامتان ) ؟ خضراوان من الري .

حدثني محمد بن عمارة هو الأسدي قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن حارثة بن سليمان هكذا قال : قال ابن الزبير : ( مدهامتان ) خضراوان من الري .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن حارثة بن سليمان ، أن ابن الزبير قال : ( مدهامتان ) قال : هما خضراوان من الري .

حدثنا الفضل بن الصباح قال : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( مدهامتان ) قال : خضراوان .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ( مدهامتان ) قال : خضراوان من الري .

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( مدهامتان ) قال : خضراوان من الري . [ ص: 71 ]

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ( مدهامتان ) قال : علاهما الري من السواد والخضرة .

قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ( مدهامتان ) قال : خضراوان .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( مدهامتان ) قال : مسوادتان .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( مدهامتان ) يقول : خضراوان من الري ناعمتان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( مدهامتان ) قال : خضراوان من الري : إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد .

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : ( مدهامتان ) قال : ناعمتان .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ( مدهامتان ) قال : مسوادتان من الري .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) قال : جنتا السابقين ، فقرأ : ( ذواتا أفنان ) ، وقرأ : ( كأنهن الياقوت والمرجان ) ، ثم رجع إلى أصحاب اليمين ، فقال : ( ومن دونهما جنتان ) ، فذكر فضلهما وما فيهما قال : ( مدهامتان ) من الخضرة من شدة خضرتهما ، حتى كادتا تكونان سوداوين .

حدثني محمد بن سنان القزاز قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن [ ص: 72 ] عباس في قوله : ( مدهامتان ) قال : خضراوان .

وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول : فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم - بإثابته أهل الإحسان ما وصف في هاتين الجنتين - تكذبان .

وقوله : ( فيهما عينان نضاختان ) يقول - تعالى ذكره - : في هاتين الجنتين - اللتين من دون الجنتين اللتين هما لمن خاف مقام ربه - عينان نضاختان ، يعني : فوارتان .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي تنضخان به ، فقال بعضهم : تنضخان بالماء .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد بن السري قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( فيهما عينان نضاختان ) قال : ينضخان بالماء .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( نضاختان ) قال : تنضخان بالماء .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فيهما عينان نضاختان ) يقول : نضاختان بالماء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهما ممتلئتان .

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( عينان نضاختان ) قال : ممتلئتان لا تنقطعان .

وقال آخرون : تنضخان الماء والفاكهة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن [ ص: 73 ] سعيد في قوله : ( فيهما عينان نضاختان ) قال : بالماء والفاكهة .

وقال آخرون : نضاختان بألوان الفاكهة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ( فيهما عينان نضاختان ) قال : نضاختان بألوان الفاكهة .

وقال آخرون : نضاختان بالخير .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فيهما عينان نضاختان ) يقول : نضاختان بالخير .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني بذلك أنهما تنضخان بالماء ؛ لأنه المعروف بالعيون إذ كانت عيون ماء .

وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم - بإثابته محسنكم هذا الثواب الجزيل - تكذبان ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية