الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما الدرجة الثالثة وهي ورع المتقين ، فيشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم : لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وقال عمر رضي الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام .

وقيل إن هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وقال أبو الدرداء إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما حتى يكون ، حجابا بينه وبين النار ولهذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه ، فأخذ تسعة وتسعين وتورع عن استيفاء الكل خيفة الزيادة .

وكان بعضهم يتحرز فكل ما يستوفيه يأخذه بنقصان حبة وما يعطيه يوفيه بزيادة حبة ليكون ذلك حاجزا من النار .

التالي السابق


(وأما الدرجة الثالثة وهو ورع المتقين، فيشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم: لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما فيه بأس ) ، تقدم تخريجه قريبا، ووعدنا هناك التكلم على معناه، فأقول: قال الطيبي : في شرح المشكاة إنما جعل المتقي من يدع ذلك لذلك; لأن المتقي لغة اسم فاعل من وقاه فاتقى، والوقاية فرط الصيانة، ومنه فرس واق، أي: يقي لجامه أن يصيبه أدنى شيء من بوله، وشرعا من يقي نفسه تعاطي ما يستوجب العقوبة من فعل أو ترك، وللتقوى مراتب; الأول التوقي من العذاب المخلد بالتبري عن الشرك، وألزمهم كلمة التقوى ، الثانية تجنب كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر وهو المتعارف بالتقوى في الشرع، والمعنى بقوله: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا . والثالثة: التفرغ عما يشغل سره عن ربه وهو التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله: اتقوا الله حق تقاته ، والمرتبة الثالثة هي المقصودة في الحديث، ويجوز تنزيله على الثانية أيضا، والله أعلم .

( وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه: ( كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام ) ، وروي مثل هذا عن أبي بكر رضي الله عنه قال: "كنا نترك سبعين بابا من الحلال مخافة باب واحد من الحرام" . (وقال أبو الدرداء ) رضي الله عنه: فيما روى عنه عباس بن خليد (أن تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، فيكون حجابا بينه وبين النار) ، كذا في النسخ، ولفظ القوت: يكون ذلك حجابا بينه وبين الحرام، (ولهذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه، فأخذ تسعة وتسعين وتورع عن استيفاء) الكل خيفة الزيادة، وكان بعضهم يتجر، فكل ما يستوفيه يأخذه بنقصان حبة وما يعطيه يزنه بزيادة، (حبة ليكون ذلك حاجزا من النار) . ولفظ القوت: وقد كان من سيرة القدماء وأخلاق الورعين أن لا يستوعب أحدهم كل حقه، بل يترك منه شيئا خشية أن يستوفي الحلال كله فيقع في الشبهة، فإنه يقال: من استوعب الحلال حام حول الحرام، وكانوا يستحبون أن يتركوا بينهم وبين الحرام من حقهم حاجزا بين الحلال والحرام، ومنهم من كان يترك من حقه شيئا لنية أخرى لقوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، [ ص: 26 ] قالوا: فالعدل أن تأخذ حقك وتعطي الحق، والإحسان أن تترك بعض حقك وتبذل فوق ما عليك من الحق، وهذه طريق قد جهلت من عمل بها فقد أظهرها، حدثونا عن بعضهم قال: أتيت بعض الورعين بدين له علي، وكان خمسين درهما، قال: ففتح يده فعددت فيها إلى تسعة وأربعين، فقبض يده فقلت: هذا درهم قد بقي لك من حقك، فقال: قد تركته إني أكره أن أستوعب حقي كله فأقع فيما ليس لي، وقد كان ابن المبارك يقول: من اتق تسعة وتسعين شيئا ولم يتق شيئا واحدا لم يكن من المتقين، ومن تاب من تسعة وتسعين ذنبا ولم يتب من ذنب واحد لم يكن من التوابين، ومن زهد في تسعة وتسعين شيئا ولم يزهد في شيء واحد لم يكن من الزاهدين .




الخدمات العلمية