الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح خيار التعيين ) في القيميات لا في المثليات بعدم تفاوتها ولو للبائع في الأصح كافي [ ص: 586 ] لأنه قد يرث قيميا ويقبضه وكيله ولا يعرفه فيبيعه بهذا الشرط فمست الحاجة إليه نهر ( فيما دون الأربعة ) لاندفاع الحاجة بالثلاثة لوجود جيد ورديء ووسط ومدته كخيار الشرط ، ولا يشترط معه خيار شرط في الأصح فتح

التالي السابق


مطلب في خيار التعيين . ( قوله : وصح خيار التعيين ) أي بأن يقع البيع على واحد لا بعينه ، بخلاف المسألة السابقة فليست من خيار التعيين لوقوع البيع فيها على العبدين . وأما قول الهداية هنا من اشترى ثوبين فالمراد أحد ثوبين ، كما نبه عليه في العناية وغيرها . وفي الفتح المراد أن يشتري أحد ثوبين أو ثلاثة غير معين على أن يأخذ أيهما شاء على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيما يعينه بعد تعيينه المبيع ، أما إذا قال : بعتك عبدا من هذين بمائة ولم يذكر قوله على أنك بالخيار في أيهما شئت لا يجوز اتفاقا كقوله بعتك عبدا من عبيدي ، وإن اشترى أحد أربعة لا يجوز . ا هـ . وقد استفيد من هذه العبارة أمور الأول أن خيار التعيين إنما يكون البيع فيه على واحد من اثنين أو ثلاثة لا بعينه وهو ما قلنا . الثاني أنه لا يكون من واحد من أربعة كما يأتي . الثالث أنه لا بد أن يقول بعد قوله بعتك أحد هذين العبدين على أنك بالخيار في أيهما شئت ، أو على أن تأخذ أيهما شئت ليكون نصا في خيار التعيين .

وقال : في البحر : لأنه لو لم يذكر هذه الزيادة يكون فاسدا لجهالة المبيع ، فإن قبضهما وماتا عنده ضمن نصف قيمة كل واحد منها ، وإن مات أحدهما قبل الآخر لزمه قيمة الآخر كذا في المحيط . ا هـ . الرابع أنه لا بد أيضا من ذكر خيار الشرط ، بأن يقول : على أنك بالخيار ثلاثة أيام أي إذا عين واحدا منها بحكم خيار التعيين يكون له فيه خيار الشرط وهذا الرابع فيه خلاف يأتي . ( قوله : لا في المثليات ) أي التي من جنس واحد بحر . ( قوله : ولو للبائع ) صورته أن يقول المشتري اشتريت منك أحد هذين الثوبين على أن تعطيني أحدهما نهر فله أن يلزم المشتري أيهما [ ص: 586 ] شاء إلا إذا تعيب أحدهما فليس له أن يلزمه المعيب إلا برضاه ، فإذا ألزمه إياه ولم يرض به ليس له أن يلزمه الآخر بعد ذلك ، ولو هلك أحدهما في يده كان له أن يلزمه الباقي ، وأما إذا كان الخيار للمشتري فالمبيع لازم في أحدهما إلا أن يكون معه خيار شرط ، والمبيع مضمون بالثمن وغيره أمانة ، فإذا هلك أحدهما تعين هو مبيعا والآخر أمانة ، ولو هلكا معا ضمن نصف كل ، ولو اختلفا في الهالك أولا فالقول للمشتري بيمينه وبينة البائع أولى ولو تعيبا معه فالخيار بحاله ، ولو متعاقبا تعين الأول مبيعا ، ولو باعهما المشتري ثم اختار أحدهما صح بيعه فيه ، وتمامه في البحر .

( قوله : لأنه قد يرث إلخ ) جواب من صاحب البحر عما أورده في الفتح من أن جواز خيار التعيين للحاجة إلى اختيار ما هو الأوفق والأرفق فيختص بالمشتري ; لأن المبيع كان مع البائع قبل البيع وهو أدرى بما لاءمه منه . ا هـ . واعترض الحموي الجواب بأن ما ذكر من صورة الإرث صورة نادرة والأحكام لا تناط بنادر . قلت : وقد يجاب أيضا بأن الإنسان ما دام المبيع في ملكه لا يتأمل فيما يلائمه وإنما يحتاج إلى التأمل بعد البيع وأيضا كثيرا ما يحتاج إلى رأي غيره فافهم . ( قوله : ومدته كخيار الشرط ) أي ثلاثة أيام ، ظاهر كلام البحر أن هذا مبني على القول بأنه يشترط معه خيار الشرط ، فقد ذكر في البحر أن شمس الأئمة صحح الاشتراط وفخر الإسلام صحح عدمه ورجحه في الفتح ، لكن ذكر قاضي خان أن الاشتراط قول الأكثر ثم قال في البحر : وإذا لم يذكر خيار الشرط على هذا القول فلا بد من تأقيت خيار التعيين بالثلاث عنده وبأي مدة معلومة كانت عندهما ، كذا في الهداية . ا هـ . لكن قوله على هذا القول ليس في الهداية ، والمتبادر من كلام الهداية أن اشتراط التوقيت مبني على ما صححه فخر الإسلام ، ويأتي عن الفتح ما يدل عليه . ثم اعلم أن اشتراط التوقيت نازع فيه الزيلعي فقال : إذا لم يذكر خيار الشرط فلا معنى لتوقيت خيار التعيين بخلاف خيار الشرط فإن التوقيت فيه يفيد لزوم العقد عند مضي المدة ، وفي خيار التعيين لا يمكن ذلك ; لأنه لازم في أحدهما قبل مضي الوقت ، ولا يمكن تعينه بمضي الوقت بدون تعينه فلا فائدة لشرط ذلك . والذي يغلب على الظن أن التوقيت لا يشترط فيه . ا هـ .

وأجاب في الحواشي السعدية بأن له فائدة هي أن يجبر على التعيين بعد مضي الأيام الثلاثة . وأقره في النهر ، وهو معنى قوله في الشرنبلالية بل له فائدة هي دفع ضرر البائع لما يلحقه من مطل المشتري التعيين إذا لم يشترط فيفوت على البائع نفعه وتصرفه فيما يملكه . ا هـ . وأبدى في البحر فائدة أخرى وهي أنه يمكن ارتفاع العقد فيها أي في الثوبين مثلا بمضي المدة من غير تعيين ، بخلاف مضيها في خيار الشرط فإنه إجازة ليكون لكل خيار ما يناسبه . ا هـ .

قلت : لكنه يستند إلى نقل في ذلك ، ولو كان كذلك لما خفي على الزيلعي ( قوله : ولا يشترط معه خيار شرط في الأصح ) غير أنهما إن تراضيا على خيار الشرط فيه ثبت حكمه وهو جواز رد كل من الثوبين إلى ثلاثة أيام ولو بعد تعين الثوب الذي فيه البيع ، ولو رد أحدهما كان بحكم خيار التعيين ، ويثبت في الآخر بخيار الشرط ، ولو مضت الثلاثة قبل رد شيء وتعيينه بطل خيار الشرط وانبرم البيع في أحدهما وعليه أن يعين ، ولو مات المشتري قبل الثلاثة ثم بيع أحدهما وعلى الوارث التعيين ; لأن خيار الشرط لا يورث ، والتعيين ينتقل إلى الوارث ليميز ملكه عن ملك غيره على ما ذكرنا ، وإن لم يتراضيا على خيار الشرط معه لا بد من توقيت خيار التعيين [ ص: 587 ] بالثلاثة عند أبي حنيفة فتح وتمامه فيه ، وقوله : وإن لم يتراضيا إلخ معطوف على قوله إن تراضيا ، وظاهره أن اشتراط توقيت خيار التعيين مبني على القول بأنه لا يشترط أن يكون مع خيار التعيين خيار الشرط لا على القول بالاشتراط ، خلافا لما يفيده كلام البحر المار وهو ظاهر ; لأن خيار الشرط موقت فلا حاجة إلى توقيت التعيين أيضا .




الخدمات العلمية