الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب البيوع إذا كان فيها شرط قال : إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به فالبيع فاسد عندنا وقال ابن أبي ليلى : البيع جائز والشرط باطل وقال ابن سيرين : البيع جائز والشرط صحيح ، وحكي عن عبد الوارث بن سعيد قال حججت فدخلت بمكة على أبي حنيفة وسألته عن البيع بالشرط فقال : باطل فخرجت من عنده ودخلت على ابن أبي ليلى وسألته عن ذلك فقال : البيع جائز والشرط باطل فدخلت على ابن سيرين وسألته عن ذلك فقال : البيع جائز والشرط جائز ، فقلت : هؤلاء من فقهاء الكوفة وقد اختلفوا علي في هذه المسألة كل الاختلاف فعجزني أن أسأل كل واحد منهم عن حجته فدخلت على أبي حنيفة فأعدت السؤال عليه فأعاد جوابه فقلت : إن صاحبيك يخالفانك فقال لا أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط فدخلت على ابن أبي ليلى فقلت له مثل ذلك فقال : لا أدري ما قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها { لما أرادت أن تشتري بريرة رضي الله عنها أبى مواليها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه وسلامه اشتري واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق } فدخلت على ابن سيرين [ ص: 14 ] وقلت له مثل ذلك فقال : لا أدري ما قالا حدثني محارب بن دثار عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه ناقة في بعض الغزوات وشرط له ظهرها إلى المدينة } ، والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فإنه حديث مشهور ، ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه ، فأما حديث هشام بن عروة فقد . قال أبو يوسف : أوهم هشام بن عروة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترطي لهم الولاء ; لأن هذا أمر بالغرور ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولو صح فتأويله اشترطي الولاء عليهم واللام تذكر بمعنى على قال الله تعالى { أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } أو معناه أعلميهم معنى الولاء فالاشتراط في اللغة الأعلام ومنه أشراط الساعة قال القائل

فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا

أي جعل نفسه علما لذلك الأمر ، وتأويل حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن ذلك لم يكن شرطا في البيع على أن ما جرى بينهما لم يكن بيعا حقيقة ، وإنما كان ذلك من حسن العشرة والصحبة في السفر ، والدليل عليه قصة الحديث فإن جابرا رضي الله تعالى عنه قال { كانت لي ناقة ثغال فقامت علي في بعض الطريق فأدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بالك يا جابر فقلت جرى أن لا يكون لي إلا ناقة ثغال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فدعا بماء ورشه في وجه ناقتي ثم قال اركبها فركبتها فجعلت تسبق كل راحلة - الحديث - إلا أن قال أتبيعني ناقتك بأربعمائة درهم فقلت : هي لك يا رسول الله ولكن من لي بالحمل إلى المدينة فقال صلى الله عليه وسلم : لك ظهرها إلى المدينة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعمائة درهم فلما قدمت المدينة جئت بالناقة إلى باب المسجد ودخلت المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الناقة قلت : بالباب فقال : جئت لطلب الثمن فسكت فأمر بلالا رضي الله تعالى عنه فأعطاني أربع مائة درهم فقال صلى الله عليه وسلم : خذها مع الناقة فيما لك بارك الله لك فيهما } وبهذا يتبين أنه لم يكن بينهما بيع . ثم الشرط في البيع على أوجه إما أن يشترط شرطا يقتضه العقد كشرط الملك للمشتري في المبيع أو شرط تسليم الثمن أو تسليم المبيع فالبيع جائز ; لأن هذا بمطلق العقد يثبت ، فالشرط لا يزيده إلا وكادة وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر فذلك جائز أيضا كما لو اشترى نعلا وشراكا ، بشرط أن يحذوه البائع ; لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ; ولأن في النزوع عن [ ص: 15 ] العادة الظاهرة حرجا بينا ، وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد .

وليس فيه عرف ظاهر قال : فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد ; لأن الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط فلهذا فسد له البيع ، وكذلك إن كان فيه منفعة للمعقود عليه وذلك نحو ما بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه فإن العقد يعجبه أن لا تتناوله الأيدي ، وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلا فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين . قال : وإن لم يكن فيه منفعة لأحد فالشرط باطل والبيع صحيح نحو ما إذا اشترى دابة أو ثوبا بشرط أن يبيع ; لأنه لا مطالب بهذا الشرط فإنه لا منفعة فيه لأحد ، وكان لغوا والبيع صحيح إلا في رواية عن أبي يوسف قال : يبطل به البيع نص عليه في آخر المزارعة ; لأن في هذا الشرط ضررا على المشتري من حيث إنه يتعذر عليه التصرف في ملكه والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين ولكنا نقول : لا معتبر بعين الشرط بل بالمطالبة به والمطالبة تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر

التالي السابق


الخدمات العلمية