الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا

                                                          * * *

                                                          وإن ممن يعيشون معكم ويساكنونكم ويرتبطون معكم برحم واصلة، ويعلنون اسم الإيمان لمن يتثاقلون عند الدعوة إلى القتال، فيبطئون ولا يخرجون، يبطئون غيرهم ويثبطونهم. وهؤلاء لا ينظرون إليكم نظرة الحب الذي يودكم، بل يترقبون الأمر معكم، فإن أصابتكم هزيمة وقتية، أو استشهد عدد منكم، لا يتألمون، بل يفرحون، ويعتبرون قعودهم نعمة أنعم الله بها عليهم، ويحمدون الله تعالى إذ لم يكونوا حاضرين هذه الحرب!! فمعنى (شهيدا) حاضرا الحرب، يقاتل فيقتل أو يقتل.

                                                          ومن هم هؤلاء; أهم المنافقون، أم ضعاف الإيمان؟ قال أكثر مفسري الرواية: إنهم منافقون، وذلك شأنهم. والتعبير بـ"منكم" يحتاج إلى توفيق بين هذا وقوله تعالى في شأن المنافقين: ما هم منكم ولا منهم [المجادلة]، والتوفيق أن يقال هنا إن المراد بقوله منكم، أي من أهلكم وعشيرتكم وتربطكم بهم رحم، فكل منافق كان في قرابته من هو صادق الإيمان، مجاهد في الله حق جهاده. ويزكي هذا قوله تعالى في الآية الآتية: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة

                                                          وبعض المفسرين رأى أن المراد ضعاف الإيمان، ومن ليست عندهم عزيمة الجهاد، ذلك موجود في كل جماعة، ففي كل جماعة المؤمن القوي في نفسه ودينه، ومنهم الضعيف في نفسه وهمته ودينه. [ ص: 1759 ] والحق أنه يصح أن يشمل التعبير الطائفتين: المنافقين وضعاف الأنفس والإيمان، فكلا الفريقين لا يهمه إلا نفسه، ولا يندمج إحساسه في إحساس أهل الإيمان، فهو متربص منتظر، فإن وجد هزيمة لا يألم، بل يسر لأنها لم تصبه; إذ لا يعتبر آلام جماعته إيلاما لنفسه، وإن وجد نصرا تألم; لأنه لم يكن من الغانمين الذين اشتركوا في المعركة، ونالوا الفوز فيها; ولذا قال سبحانه وتعالى في شأن هؤلاء في حال النصر:

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية