الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا القول أظهر بطلانا من كل ما قالوه لأن تكذيبهم له على تقدير كذبه - على زعمهم - غير موقوف على شيء خارج عن القوة، طالبهم بالمعارضة لأنهم إذا عارضوه بمثله انفصل النزاع، ولذلك سبب عما مضى قوله تكذيبا لهم في قولهم هذا الذي أظهروه بألسنتهم يوقفون به غيرهم عن الخير: فليأتوا أي على أي تقدير أرادوه بحديث أي كلام مفرق مجدد إتيانه مع الأوقات لا تكلفهم أن يأتوا به جملة مثله أي القرآن في البلاغة وصحة المعاني والإخبار بالمغيبات مما كان أو يكون على ما هي عليه والحكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقصود هنا مطلق التعجيز للمكذبين لا بقيد الاجتماع كما في "سبحان" لأن نزول هذه أوائل ما نزل، تحداهم بالإتيان بالمثل في التنجيم والتطبيق على الوقائع سورا أو آيات أو دون ذلك، تحدث وتتجدد شيئا في أثر شيء - بما أشار إليه التعبير بالحدوث، ولذلك أعراه عن تظاهرهم بالاجتماع ودعاء المستطاع، ولكونهم كاذبين في جزمهم بنسبته إلى [ ص: 26 ] التقول وغيره، أشار إلى ذلك بقوله مقرعا لهم إلهابا إلى الخوض في المعارضة: إن كانوا أي كونا هم راسخون فيه صادقين أي في أنه تقوله من عند نفسه شيئا فشيئا، كونا هم عريقون فيه كما يزعمون سواء ادعوا أنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو غير ذلك، لأن العادة تحيل أن يأتي واحد من قوم وهو مساو لهم بما لا يقدرون كلهم على مثله، والعاقل لا يجزم بشيء إلا وهو عالم به، ويلزم من علمهم بذلك قدرتهم على مثل ما يأتي به، فإنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في الفصاحة والبلد والنسب، وبعضهم يزيد عليه بالكتابة وقول الشعر ومخالطة العلماء، ومزاولة الخطب والرسائل وغير ذلك، فلا يقدر على ما يعجزون عنه إلا بتأييد إلهي، وهو المراد من تكذيبهم، وقد علم من هذا ومما تقدم من نحوه مفرقا في السور التي فيها مثله أن المتحدى به في كل سورة غير المتحدى به في الأخرى - والله الهادي، وهذه الأقسام الماضية من تكذيبهم تتأتى أن تكون على تقدير الاعتقاد للإله على ما هو عليه من صفات الكمال فأتبعها قسما على تقدير التعطيل، وإذا لم يكن إله لم يكن رسول فيأتي التكذيب، ثم أتبع ذلك قسما آخر هو على تقدير إثبات الإله لكن مع الضعف بالشركة، ولكون الشركة تارة تكون من المتكلم وتارة من غيره، قدم منها ما للمتكلم على زعمه، وقدم تقدير شركته بالخلق ثم بضبط الخزائن ثم بالكتابة ثم بسماع [ ص: 27 ] الأسرار ثم بضعف السعة بالرضا بالصنف الأردأ.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية