الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                        (65) أي: ( و ) أرسلنا " إلى عاد " الأولى، الذين كانوا في أرض اليمن أخاهم في النسب هودا عليه السلام، يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك والطغيان في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                        فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون سخطه وعذابه، إن أقمتم على ما أنتم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        (66) فلم يستجيبوا ولا انقادوا. فقال الملأ الذين كفروا من قومه رادين لدعوته، قادحين في رأيه: إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين أي: ما نراك إلا سفيها غير رشيد، ويغلب على ظننا أنك من جملة الكاذبين، وقد انقلبت عليهم الحقيقة، واستحكم عماهم حيث رموا نبيهم عليه السلام بما هم متصفون به، وهو أبعد الناس عنه، فإنهم السفهاء حقا الكاذبون.

                                                                                                                                                                                                                                        وأي سفه أعظم ممن قابل أحق الحق بالرد والإنكار، وتكبر عن الانقياد للمرشدين والنصحاء، وانقاد قلبه وقالبه لكل شيطان مريد، ووضع العبادة في غير موضعها، فعبد من لا يغني عنه شيئا من الأشجار والأحجار؟

                                                                                                                                                                                                                                        وأي كذب أبلغ من كذب من نسب هذه الأمور إلى الله تعالى؟

                                                                                                                                                                                                                                        (67) قال يا قوم ليس بي سفاهة بوجه من الوجوه، بل هو الرسول [ ص: 557 ] المرشد الرشيد، ولكني رسول من رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                        (68) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين : فالواجب عليكم أن تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد وطاعة رب العباد.

                                                                                                                                                                                                                                        (69) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم أي: كيف تعجبون من أمر لا يتعجب منه، وهو أن الله أرسل إليكم رجلا منكم تعرفون أمره، يذكركم بما فيه مصالحكم، ويحثكم على ما فيه النفع لكم، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين.

                                                                                                                                                                                                                                        واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح أي: واحمدوا ربكم واشكروه، إذ مكن لكم في الأرض، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم الله وأبقاكم، لينظر كيف تعملون، واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا، فيصيبكم ما أصابهم، ( و ) اذكروا نعمة الله عليكم التي خصكم بها، وهي أن " زادكم في الخلق بسطة " في القوة وكبر الأجسام، وشدة البطش، فاذكروا آلاء الله أي: نعمه الواسعة، وأياديه المتكررة لعلكم إذا ذكرتموها بشكرها وأداء حقها تفلحون أي: تفوزون بالمطلوب، وتنجون من المرهوب.

                                                                                                                                                                                                                                        (70) فوعظهم وذكرهم، وأمرهم بالتوحيد، وذكر لهم وصف نفسه، وأنه ناصح أمين، وحذرهم أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم، وذكرهم نعم الله عليهم وإدرار الأرزاق إليهم، فلم ينقادوا ولا استجابوا.

                                                                                                                                                                                                                                        فقالوا متعجبين من دعوته، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه: أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا قبحهم الله، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور، من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام، على ما دعت إليه الرسل من توحيد الله وحده لا شريك له، وكذبوا نبيهم، وقالوا: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين وهذا استفتاح منهم على أنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (71) فقال لهم هود عليه السلام: قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أي: لا بد من وقوعه، فإنه قد انعقدت أسبابه، وحان وقت الهلاك.

                                                                                                                                                                                                                                        أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أي: كيف تجادلون على أمور، لا حقائق لها، وعلى أصنام سميتموها آلهة، وهي لا شيء من الآلهة فيها، ولا مثقال ذرة و " ما أنزل الله بها من سلطان " فإنها لو كانت صحيحة لأنزل الله بها سلطانا، فعدم إنزاله له دليل على بطلانها، فإنه ما من مطلوب ومقصود - وخصوصا الأمور [ ص: 558 ] الكبار - إلا وقد بين الله فيها من الحجج، ما يدل عليها، ومن السلطان، ما لا تخفى معه.

                                                                                                                                                                                                                                        فانتظروا ما يقع بكم من العقاب، الذي وعدتكم به إني معكم من المنتظرين وفرق بين الانتظارين، انتظار من يخشى وقوع العقاب، ومن يرجو من الله النصر والثواب.

                                                                                                                                                                                                                                        (72) ولهذا فتح الله بين الفريقين فقال: فأنجيناه أي: هودا والذين آمنوا معه برحمة منا فإنه الذي هداهم للإيمان، وجعل إيمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته، وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا أي: استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحدا ، وسلط الله عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين أقيمت عليهم الحجج، فلم ينقادوا لها، وأمروا بالإيمان فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك، والخزي والفضيحة. وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود .

                                                                                                                                                                                                                                        وقال هنا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين بوجه من الوجوه، بل وصفهم التكذيب والعناد، ونعتهم الكبر والفساد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية