الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الرجل يفلس وبعض غرمائه غيب قلت : أرأيت إذا فلس الرجل ولقوم غيب عليه دين أيعزل القاضي أنصباءهم أم لا في [ ص: 79 ] قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، يعزل القاضي أنصباءهم عند مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن ضاع أنصباء الغيب بعدما عزلها القاضي لهم ، كان ضياعها منهم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : ولو كان له غريم لم يعلم به ، ثم قدم ، رجع عليهم جميعا بقدر حصته ، فأخذ من كل واحد منهم بقدر الذي أخذ من نصيبه الذي يصير له في المحاصة . وتفسير ذلك : لو أن رجلا أفلسه رجلان ، لكل واحد منهما عليه مائة درهم ، ولرجل غائب عليه مائة درهم أيضا ، ولم يعلم بالغائب . ففلسوا هذا الغريم ، فلم يجدوا له إلا مائة درهم ، فقسمت المائة بين هذين الرجلين ، فأخذ هذا خمسين وهذا خمسين ، ثم قدم الغائب وأثبت دينه ، فإنه يصير له في المحاصة من المائة ثلاثة وثلاثون وثلث درهم ، وقد أخذ كل واحد منهما خمسين ، فقد أخذ صاحباه فضلا على حقه سبعة عشر إلا ثلث درهم ، فيصير له على كل واحد سبعة عشر إلا ثلث درهم . فيقال لهما : ادفعا إليه كل واحد منكما سبعة عشر درهما إلا ثلث درهم ما استفضلتماه به ، وهو مقدار حصته في المحاصة . فإن أصاب أحدهما عديما ، لم يكن له قبل هذا الذي أصاب مليا ، إلا سبعة عشر درهما غير ثلث ; لأن بقية حقه إنما أتلفه الآخر ، ويكون ذلك دينا على الذي أتلفه يتبعه به ، وهو قول مالك . وقال ابن القاسم في الرجل يمرض فيقر في مرضه بدين لأجنبي ، وبدين لابن له ، وقد ترك بنين سواه وترك مائة دينار ، فأقر أن للأجنبي عليه مائة دينار ، ولابنه عليه مائة دينار ، ولا مال له غير المائة ، قال : الابن والأجنبي يتحاصان في المائة الدينار ، فما صار للأجنبي أخذه ، وما صار للوارث ، فإن أجازه له الورثة كان أولى به ، وإلا كان ميراثا بينهم . وإنما يحاص الوارث الأجنبي من قبل أنه لا تهمة في إقراره للوارث حين لم يترك إلا المائة ; لأنه لو شاء أن لا يقر للأجنبي لفعل ، فليس للأجنبي ههنا حجة على الميت أن يقول : أقر عني بالمائة ، وإنما الحجة له أن لو كان دينه ببينة ، فأدخل عليه من يتهم عليه ، فيكون له حينئذ حجة وهو الذي سمعت من قول مالك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية