الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              473 (24) باب

                                                                                              الولد من ماء الرجل وماء المرأة

                                                                                              [ 245 ] عن ثوبان ; مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فجاء حبر من أحبار اليهود . فقال : السلام عليك يا محمد ؟ فدفعته دفعة كاد يصرع منها . فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول يا رسول الله ! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله . فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ، فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أينفعك شيء إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه ، فقال : سل ، فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هم في الظلمة دون الجسر ، قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرين ، قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : زيادة كبد النون . قال : فما غداؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ، قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : من عين فيها تسمى سلسبيلا ، قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي ، أو رجل ، أو رجلان . قال : ينفعك إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد ؟ قال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإن اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة ، أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل ، آنثا بإذن الله قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي . ثم انصرف فذهب . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ، وما لي علم بشيء منه ، حتى أتاني الله به .

                                                                                              رواه مسلم ( 315 ) .

                                                                                              [ ص: 573 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 573 ] (24) ومن باب : الولد من ماء الرجل والمرأة

                                                                                              الحبر : العالم ، يقال بفتح الحاء وكسرها ، فأما الحبر للمداد فبالكسر لا غير .

                                                                                              ونكت النبي - صلى الله عليه وسلم - الأرض بعود معه : هو ضربه فيها ، وهذا العود هو المسمى : بالمخصرة ، وهو الذي جرت عوائد رؤساء العرب وكبرائهم باستعمالها ، بحيث تصل إلى خصره ، ويشغل بها يديه من العبث ، وإنما يفعل ذلك النكت المتفكر .

                                                                                              و (قوله : " أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ") هذا يدل على أن معنى هذا التبديل : إزالة هذه الأرض ، والإتيان بأرض أخرى ، لا كما قاله كثير من الناس : أنها تبدل صفاتها وأحوالها فتسوى آكامها ، وتغير صفاتها ، وتمد مد الأديم ، ولو كان هذا لما أشكل كون الناس فيها عند تبديلها ، ولما جمعوا على الصراط حينئذ .

                                                                                              وقد دل على صحة الظاهر المتقدم حديث عائشة ; إذ سألت عن [ ص: 574 ] هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال مجيبا لها : " على الصراط " . والأرض المبدلة هي الأرض التي ذكرها في حديث سهل بن سعد حيث قال : " يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء ، ليس فيها علم لأحد " ، وهذا الحشر هو جمعهم فيها بعد أن كانوا على الصراط ، والله أعلم .

                                                                                              وقال العكاظي : تمد الأرض مد الأديم ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في الأرض الثانية ، في مثل مواضعهم من الأرض الأولى ، والله أعلم بكيفية ذلك .

                                                                                              والجسر - بفتح الجيم وكسرها - : ما يعبر عليه ، وهو الصراط هنا . و " دون " بمعنى فوق ، كما قال في حديث عائشة : " على الصراط " . و " التحفة " : ما يتحف به الإنسان من الفواكه والطرف ، محاسنة وملاطفة . و " زيادة الكبد " قطعة منه كالإصبع . و " النون " الحوت ، وقد جاء مفسرا في حديث أبي سعيد : قال اليهودي : ألا أخبرك بإدامهم ، قال : " بلى " . قال : إدامهم باللام ونون ، قالوا : ما هذا ؟ قال : " ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا " . وفي " الصحاح " : النون : الحوت ، وجمعه : أنوان ، ونينان ، وذو النون : لقب يونس - عليه السلام - .

                                                                                              و (قوله : " فما غداؤهم ") بفتح الغين وبالدال المهملة ، وللسمرقندي : غذاؤهم بكسر الغين وبالذال المعجمة ، والأظهر أنه تصحيف .

                                                                                              [ ص: 575 ] و (قوله : " تسمى سلسبيلا ") أي : سلسة السبيل ، سهلة المشرع ، يقال : شراب سلسل ، وسلسال ، وسلسبيل . عن مجاهد وقيل عنه : شديد الجرية ، قال الشاعر :


                                                                                              ... ... ... ... كأسا تصفق بالرحيق السلسل

                                                                                              وقال قتادة : عين تنبع من تحت العرش من جنة عدن إلى الجنان .

                                                                                              و (قوله : " لقد صدقت وإنك لنبي ") يدل على أن مجرد التصديق من غير التزام الشريعة ولا دخول فيها لا ينفع ; إذ لم يحكم له بالإسلام .




                                                                                              الخدمات العلمية