الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 144 - 153 ] باب النوافل ( السنة ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر ، وبعدها ركعتان ، وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين ، وركعتان بعد المغرب ، وأربع قبل العشاء وأربع بعدها ، وإن شاء ركعتين ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة }وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب ، غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر ، فلهذا سماه في الأصل حسنا وخير لاختلاف الآثار ، والأفضل هو الأربع ولم يذكر الأربع قبل العشاء ، فلهذا كان مستحبا لعدم المواظبة ، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء . [ ص: 154 - 158 ] وفي غيره ذكر الأربع ، فلهذا خير ، إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة على ما عرف من مذهبه ، والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا ، كذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه خلاف الشافعي .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب النوافل

                                                                                                        الحديث السابع بعد المائة :

                                                                                                        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة ، بنى الله له بيتا في الجنة } ، وفسرها المصنف ، وقال : إنها مفسرة في الحديث على نحو ما ذكر ، وهي : ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر ، وبعدها ركعتان ، وأربع قبل العصر ، وإن شاء ركعتين ، وركعتان بعد المغرب ، وأربع قبل العشاء ، وأربع بعدها . وإن شاء ركعتين ، ثم قال : غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في الحديث ، فلهذا سماه في الأصل حسنا ، وخير لاختلاف الآثار ، والأفضل هو [ ص: 154 ] الأربع ، ولم يذكر الأربع قبل العشاء ، ولهذا كان مستحبا ; لعدم المواظبة ، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء ، وفي غيره ذكر الأربع ، فلهذا خير ، إلا أن الأربع أفضل ، خصوصا عند أبي حنيفة . قلت : روى الجماعة إلا البخاري من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم بثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة ، إلا بنى الله له بيتا في الجنة }. انتهى . لمسلم وأبي داود وابن ماجه وزاد الترمذي ، والنسائي : { أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء . وركعتين قبل صلاة الغداة }. انتهى . وللنسائي في رواية : { وركعتين قبل العصر } ، بدل : { وركعتين بعد العشاء } ، وكذلك عند ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول ، رواه عن ابن خزيمة بسنده ، وكذلك رواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجه انتهى .

                                                                                                        وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين ، فقال فيه : { وركعتين قبل العصر ، وركعتين بعد العشاء } ، وكذلك عند الطبراني في " معجمه " { حديث آخر } : أخرجه الترمذي وابن ماجه عن المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة ، من السنة ، بنى الله له بيتا في الجنة : أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث غريب من هذا الوجه ، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ، بني له بيت في الجنة : ركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء }. انتهى .

                                                                                                        وضعف محمد بن سليمان هذا ، وقال : إنه مضطرب الحديث . انتهى .

                                                                                                        فصح قول المصنف : إنه لم يذكر في الحديث الأربع قبل العصر ، وقوله : [ ص: 155 ] وخير لاختلاف الآثار " يعني خير بين أن يصلي أربعا ، أو ركعتين " ; لأن الآثار اختلفت في ذلك ، فأخرج أبو داود والترمذي عن أبي المثنى عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا }. انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن غريب ورواه أحمد في " مسنده " . وابن خزيمة ، ثم ابن حبان في " صحيحيهما " ، قال ابن حبان : والمراد أنها بتسليمتين ; لما جاء في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }. انتهى كلامه .

                                                                                                        وقد تقدم للنسائي وابن حبان والحاكم في حديث أم حبيبة : { وركعتين قبل العصر } ، .

                                                                                                        وأخرج أبو داود عن عاصم بن ضمرة عن علي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين }انتهى .

                                                                                                        ورواه الترمذي وأحمد ، وقالا : أربعا ، عوض : ركعتين ، وقال الترمذي : حديث حسن . واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر ، واحتج بهذا الحديث ، وقال " يعني قوله : { يفصل التسليم على الملائكة }: يعني التشهد انتهى كلامه . وهذا يرد قول ابن حبان ، إنها بتسليمتين ، وأعاده الترمذي في آخر الصلاة في باب تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار " ، وزاد فيها : يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ، والمرسلين ، ومن تبعهم من المؤمنين ، والمسلمين . انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث حسن وروي عن ابن المبارك أنه ضعف هذا الحديث ، وإنما ضعفه والله أعلم من أجل عاصم بن ضمرة وعاصم بن ضمرة ثقة عند بعض أهل الحديث ، قال علي بن المديني : قال يحيى بن سعيد القطان : قال سفيان : كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة عن حديث الحارث انتهى كلامه . وفي عاصم مقال ، وصح قوله أيضا : وذكر فيه ركعتين بعد العشاء ، وقوله : وفي غيره ذكر الأربع ، عزى إلى سنن سعيد بن منصور ، من حديث البراء بن عازب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صلى قبل الظهر أربعا ، كان كأنما تهجد من ليلته ، ومن صلاهن بعد العشاء ، كان كمثلهن من ليلة القدر } ، ورواه البيهقي من قول عائشة ، قالت : من صلى أربعا بعد العشاء ، كان كمثلهن من ليلة القدر ، وأخرج النسائي والدارقطني من قول [ ص: 156 ] كعب .

                                                                                                        وروى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة ركعتين ، إلا الفجر والعصر }انتهى . ورواه الدارقطني في " كتاب العلل " من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، فذكره . أحاديث النافلة قبل المغرب : لأصحابنا في تركها أحاديث : منها ما أخرجه أبو داود عن طاوس ، قال : سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب ، فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها ، ورخص في الركعتين بعد العصر . انتهى . سكت عنه أبو داود ، ثم المنذري في " مختصره " ، فهو صحيح عندهما ، قال النووي في " الخلاصة " : إسناده حسن ، قال : وأجاب العلماء عنه ، بأنه نفي ، فتقدم رواية المثبت ، ولكونها أصح ، وأكثر رواة ، ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن حيان بن عبيد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن عند كل أذانين ركعتين ، ما خلا المغرب }. انتهى . ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : لا نعلم رواه عن ابن بريدة ، إلا حيان بن عبيد الله ، وهو رجل مشهور من أهل البصرة ، لا بأس به . انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : أخطأ فيه حيان بن عبيد الله ، في الإسناد والمتن جميعا ، أما السند : فأخرجاه في " الصحيحين " عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبيد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { بين كل أذانين صلاة ، قال في الثالثة لمن شاء }. وأما المتن : فكيف يكون صحيحا ، وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث ، قال : وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين ، وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال [ ص: 157 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلوا قبل المغرب ركعتين ، وقال في الثالثة : لمن شاء ، خشية أن يتخذها الناس سنة } ، رواه البخاري في " صحيحه " . انتهى .

                                                                                                        وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " ، ونقل عن الفلاس أنه قال : كان حيان هذا كذابا . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا يحيى بن صاعد ثنا محمد بن منصور المكي ثنا يحيى بن أبي الحجاج ثنا عيسى بن سنان عن رجاء بن حيوة عن { جابر ، قال : سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل المغرب ؟ فقلن : لا ، غير أن أم سلمة ، قالت : صلاهما عندي مرة ، فسألته ما هذه الصلاة ؟ فقال : نسيت الركعتين قبل العصر ، فصليتهما الآن }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : معضل : رواه محمد بن الحسن في " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان أنه { سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب ، قال : فنهاه عنها ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ، لم يكونوا يصلونها }. انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بين كل أذانين صلاة ، قال في الثالثة : لمن شاء }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : قال : { صلوا قبل المغرب ، ثم قال : صلوا قبل المغرب ، قال في الثالثة : لمن شاء ، كراهية أن يتخذها الناس سنة }. انتهى . ذكره في " كتاب الاعتصام " ، وفي لفظ أبي داود : قال : { صلوا قبل المغرب ركعتين } ، وزاد فيه ابن حبان في " صحيحه " : { وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين }.

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري ومسلم عن أنس ، قال : كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري ، فيركعون ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد ، فيحسب أن الصلاة قد صليت ، من كثرة من يصليهما انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لمسلم عنه ، قال : { كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس ، قبل صلاة المغرب ، فقلت له : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 158 ] يصليهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما ، فلم يأمرنا ، ولم ينهانا }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري عن مرثد بن عبد الله اليزني ، قال : { أتيت عقبة بن عامر ، فقلت : ألا أعجبك من أبي تميم ، ركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة : إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل }. انتهى .

                                                                                                        وروى البزار في " مسنده " حديث أنس وقال : لا نعلم هذه الرواية إلا عن أنس ، وقد رويت عنه من وجوه ، وعارضها حديث بريدة أنه عليه السلام ، قال : { بين كل أذانين صلاة ، إلا المغرب }. انتهى . والخصوم يجيبون : بأن رواية المثبت مقدمة على النافي ، مع أن رواية الإثبات أصح ، والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني والتسعين ، من القسم الأول ، عن سليم بن عامر عن عبد الله بن الزبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من صلاة مفروضة ، إلا وبين يديها ركعتان }. انتهى .

                                                                                                        الحديث الثامن بعد المائة : قال المصنف : والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة ، كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : أخرجه أبو داود في " سننه " والترمذي في " الشمائل " عن عبيدة عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن قرثع عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم ، يفتح لهن أبواب السماء }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، لا يفصل بينهن بتسليم ، وقال : أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس }انتهى .

                                                                                                        وضعفه أبو داود ، وقال : عبيدة بن معتب الضبي ضعيف ، انتهى .

                                                                                                        وأطلق المنذري عزوه إلى الترمذي في " مختصره " ، وكان عليه أن يقيده " بالشمائل " .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " : حدثنا أبو معاوية ثنا عبيدة به ، وفي لفظه : { قلت : يا رسول الله [ ص: 159 ] أفيهن تسليم فاصل ؟ قال : لا } ، وهذا هو لفظ الترمذي في " الشمائل " طريق آخر له : رواه محمد بن الحسن في " موطئه " حدثنا بكير بن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل صلاة الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، فسأله أبو أيوب الأنصاري عن ذلك ، فقال : إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة ، فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير ، قلت : أفي كلهن قراءة ؟ قال : نعم . قلت : أتفصل بينهن بسلام ؟ فقال : لا }. انتهى . قال صاحب " التنقيح " : وروى ابن خزيمة هذا الحديث في " مختصر المختصر " وضعفه ، فقال : وعبيدة بن معتب ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره .

                                                                                                        وحدثناه أبو موسى ثنا أبو أحمد ثنا شريك عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن علي بن الصلت عن أبي أيوب فذكره ، وليس فيه : لا يسلم بينهن انتهى .

                                                                                                        وتكلم الدارقطني في " علله " ، وذكر الاختلاف فيه ، ثم قال : وقول أبي معاوية أشبه بالصواب . انتهى . وحديث أبي معاوية عند الترمذي وأحمد كما تقدم .




                                                                                                        الخدمات العلمية