الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان عطف الأخيرين على الفاكهة عطف جبريل وميكال عليهما السلام على الملائكة بيانا لفضلهما ، وقيل : إنهما في الدنيا لما لم يخلصا للتفكه فإن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء عدا جنسا آخر فعطفا على الفاكهة وإن كان كل ما في الجنة للتفكه لأنه تلذذ خالص ، ومنه قال الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث ، وخالفه صاحباه ثم إن نخل الجنة ورمانها وراء ما نعرفه .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وهناد وابن أبي الدنيا وابن المنذر والحاكم وصححه وآخرون عن ابن عباس نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرانيفها ذهب أحمر وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم وحكمه حكم المرفوع . وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا أصوله فضة وجذوعه فضة وسعفه حلل وحمله الرطب إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا قال عليه الصلاة والسلام : «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كمثل البعير المقتب» وهذا المدح بحسب الظاهر دون المدح في قوله تعالى في الجنتين السابقتين : فيهما من كل فاكهة زوجان [الرحمن : 52] ومن ذهب إلى تفضيلهما يقول إن التنوين في فاكهة للتعميم بقرينة المقام نظير ما قيل في قوله تعالى : علمت نفس ما أحضرت [التكوير : 14] فيكون في قوة فيها كل ( فاكهة ) ويزيد ما في النظم الجليل على ما ذكر بتضمنه الإشارة إلى مدح بعض أنواعها ، وقال الإمام الرازي : إن (ما هنا كقوله تعالى : فيهما من كل فاكهة زوجان وذلك لأن الفاكهة أنواع أرضية وشجرية كالبطيخ وغيره من الأرضيات المزروعات والنخل وغيرها من الشجريات فقالتعالى : مدهامتان لأنواع الخضر التي فيها الفواكه الأرضية ، وفيها أيضا الفواكه الشجرية وذكر سبحانه منها نوعين : الرطب والرمان لأنهما متقابلان أحدهما حلو والآخر فيه حامض ، وأحدهما حار والآخر بارد ، وأحدهما فاكهة وغذاء والآخر فاكهة ، وأحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة ، وأحدهما أشجاره تكون في غاية الطول والآخر ليس كذلك ، وأحدهما ما يؤكل منه بارز وما لا يؤكل كامن والآخر بالعكس فهما كالضدين ، والإشارة إلى الطرفين تتناول الإشارة إلى ما بينهما كما في قوله تعالى : رب المشرقين ورب المغربين [الرحمن : 17] انتهى ، ولعل الأول أولى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية