الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4970 (21) باب

                                                                                              لكل مسلم فداء من النار من الكفار

                                                                                              [ 2773 ] عن أبي بردة عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول : هذا فكاكك من النار .

                                                                                              وفي أخرى : لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا .


                                                                                              قال : فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو - ثلاث مرات - أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فحلف له .

                                                                                              رواه مسلم (2767) (49 و 50) .

                                                                                              [ ص: 200 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 200 ] و (قوله : " إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار ") يعني : مسلما مذنبا ، بدليل الرواية الأخيرة التي قال [ ص: 201 ] فيها : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال " . ومعنى كونه فكاكا للمسلم من النار ، وأن الله يغفر للمسلم ذنوبه ، ويضاعف للكافر العذاب بحسب جرائمه ; لأنه تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد ، كما قال : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ الإسراء : 15 ]

                                                                                              و (قوله في الرواية الأخرى : " فيغفرها لهم ") أي : يسقط المؤاخذة عنهم بها حتى كأنهم لم يذنبوا ، ومعنى قوله : " ويضعها على اليهود والنصارى أي : أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم ، وجرم مذنبي المسلمين لو أخذوا بذلك ، وله تعالى أن يضاعف لمن يشاء العذاب ، ويخففه عمن يشاء ، بحكم إرادته ومشيئته ; إذ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . ولما كان خلاص المؤمن من ذنوبه عندما يدفع له الكافر سمي بذلك فكاكا كما سمي تخليص الرهن من يد المرتهن : فكاكا .

                                                                                              وأما قوله في الرواية الأخرى : " لا يموت مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا " ، فيعني بذلك - والله أعلم - أن المسلم المذنب لما كان يستحق [ ص: 202 ] مكانا من النار بسبب ذنوبه ، وعفا الله تعالى عنه ، وبقي مكانه خاليا منه ، أضاف الله ذلك المكان إلى يهودي أو نصراني ليعذب فيه ، زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بسبب كفره ، ويشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس للمؤمن الذي ثبت عند السؤال في القبر : " فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة " ، وقد تقدم الكلام عليه ، وإنما احتاج علماؤنا لتأويل ألفاظ حديث أبي موسى المذكور في هذا الحديث لما عارضها من قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [الإسراء : 15 ] ولقوله : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ولقوله : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ فاطر : 18 ] ولقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة [ المدثر : 38 ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يجني جان إلا على نفسه " ، ومثله كثير . وعلى الجملة فهي قاعدة معلومة من الشرع لا يختلف فيها .




                                                                                              الخدمات العلمية