الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما يجوز من السن في الضحايا

                                                                      2797 حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن [ ص: 393 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 393 ] ( إلا مسنة ) : بضم الميم وكسر السين والنون المشددة .

                                                                      قال ابن الملك : المسنة هي الكبيرة بالسن ، فمن الإبل التي تمت لها خمس سنين ودخلت في السادسة ، ومن البقر التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة ومن الضأن والمعز ما تمت لها سنة انتهى .

                                                                      قال القدوري : والأضحية من الإبل والبقر والغنم قال : ويجزي من ذلك كله الثني فصاعدا إلا الضأن فإن الجذع منه يجزي .

                                                                      قال صاحب الهداية : والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر في مذهب الفقهاء ، والثني منها ومن المعز ابن سنة انتهى وفي النهاية : الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ، ومن البقر كذلك ومن الإبل في السادسة والذكر ثني .

                                                                      وعلى مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية ، ومن البقر في الثالثة انتهى .

                                                                      وفي الصحاح : الثني الذي يلقي ثنيته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخف في السنة السادسة .

                                                                      وفي المحكم : الثني من الإبل الذي يلقي ثنيته وذلك في [ ص: 394 ] السادسة .

                                                                      ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة تيسا كان أو كبشا .

                                                                      وفي التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة وطعن في السادسة فهو ثني وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي ، وكذلك من البقر والمعز ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنيا لأنه ألقى ثنيته انتهى من لسان العرب وشرح القاموس ، وفي فتح الباري قال أهل اللغة : المسن الثني الذي يلقي سنه ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة وقال ابن فارس : إذا دخل ولد الشاة في الثالثة فهو ثني ومسن انتهى .

                                                                      فالمسنة والثني من الضأن والمعز عند الحنابلة والحنفية ما تمت لها سنة ، وعند الشافعية وأكثر أهل اللغة ما استكمل سنتين ( إلا أن يعسر ) : أي يصعب ( عليكم ) : أي ذبحها بأن لا تجدوها أو أداء ثمنها ( فتذبحوا جذعة ) : بفتحتين ( من الضأن ) : قال في المصباح : الضأن ذوات الصوف من الغنم والمعز اسم جنس لا واحد له من لفظه ، هي ذوات الشعر من الغنم ، الواحدة شاة وهي مؤنثة ، والغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز انتهى .

                                                                      واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن ، وهم الجمهور في سنه على آراء [ ص: 395 ] أحدها : أنه أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية وهو الأشهر عند أهل اللغة ثانيها : نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة ثالثها : سبعة أشهر ، وحكاه صاحب الهداية عن الزعفراني ، رابعها : ستة أو سبعة ، حكاه الترمذي عن وكيع ، وقيل ثمانية ، وقيل عشرة ، وقيل : إن كان متولدا بين شابين فستة أشهر وإن كان بين هرمين فثمانية .

                                                                      وفي الحديث تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ .

                                                                      إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة لكن قال النووي : ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا ، وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل ، وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن ، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال .

                                                                      وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه ، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه ، فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب انتهى .

                                                                      قلت : التأويل الذي ذكره النووي هو المتعين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع نعمت الأضحية الجذع من الضأن أخرجه الترمذي وفي سنده ضعف ولحديث أم بلال بنت هلال عن أبيها رفعه " يجوز الجذع من الضأن أضحية " أخرجه ابن ماجه ولحديث مجاشع الذي عند المؤلف ، ولحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن أخرجه النسائي .

                                                                      قال الحافظ سنده قوي ، وغير ذلك من الأحاديث المقتضية للتأويل المذكور .

                                                                      والحاصل أن الجذع من الضأن يجوز ، والجذع [ ص: 396 ] من المعز لا يجوز .

                                                                      قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم .

                                                                      قال الحافظ : ولكن حكى غيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزي مطلقا سواء كان من الضأن أم من غيره ، وممن حكاه عن ابن عمر ابن المنذر في الإشراف ، وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف وأطنب في الرد على من أجازه انتهى .

                                                                      قلت : والصحيح ما ذهب إليه الجمهور والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه المسنة من البقر ابنة ثلاث ودخلت في الرابعة ، وقيل هي التي كما دخلت في الثالثة .




                                                                      الخدمات العلمية