الفصل التاسع : في
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638_31860_31033تفضيله - صلى الله عليه وسلم -
في تفضيله بالمحبة ، والخلة : جاءت بذلك الآثار الصحيحة ، واختص على ألسنة المسلمين بحبيب الله . [ أخبرنا
أبو القاسم بن إبراهيم الخطيب ، وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16846كريمة بنت أحمد ، حدثنا
أبو الهيثم ، وحدثنا
حسين بن محمد الحافظ سماعا عليه .
حدثنا
القاضي أبو الوليد ، حدثنا
عبد بن أحمد ، حدثنا
أبو الهيثم ، حدثنا
أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، حدثنا
عبد الله بن محمد ، حدثنا
أبو عامر ، حدثنا
فليح ، حدثنا
أبو النضر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد ] ، عن
أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989435لو كنت [ ص: 248 ] متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر .
وفي حديث آخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=989436وإن صاحبكم خليل الله .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989437وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989438جلس ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجبا ! إن الله اتخذ إبراهيم من خلقه خليلا
وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الله تكليما .
وقال آخر : فعيسى كلمة الله ، وروحه .
وقال آخر : وآدم اصطفاه الله .
فخرج عليهم فسلم ، وقال : قد سمعت كلامكم ، وعجبكم ، أن الله - تعالى - اتخذ إبراهيم خليلا ، وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ، ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ، ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ، ولا فخر .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - من قول الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :
إني اتخذتك خليلا ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
قال
القاضي أبو الفضل وفقه الله : اختلف في تفسير الخلة ، وأصل اشتقاقها ، فقيل : الخليل : المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه إليه ، ومحبته له اختلال .
وقيل : الخليل المختص ، واختار هذا القول غير واحد .
وقال بعضهم : أصل الخلة الاستصفاء : وسمي
إبراهيم خليل الله ، لأنه يوالي فيه ، ويعادي فيه ، وخلة الله له نصره ، وجعله إماما لمن بعده .
وقيل : الخليل : أصله الفقير المحتاج المنقطع ، مأخوذ من الخلة ، وهي الحاجة ، فسمي بها
إبراهيم ، لأنه قصر حاجته على ربه ، وانقطع إليه بهمه ، ولم يجعله قبل غيره ، إذ جاءه
جبريل ، وهو في المنجنيق ، ليرمى به في النار ، فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428أبو بكر بن فورك :
[ ص: 249 ] الخلة : صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار .
وقال بعضهم : أصل الخلة المحبة ، ومعناها الإسعاف ، والإلطاف ، والترفيع ، والتشفيع ، وقد بين ذلك في كتابه - تعالى - بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم [ المائدة : 18 ] .
فأوجب للمحبوب أن لا يؤاخذ بذنوبه .
قال هذا والخلة أقوى من النبوة ، لأن النبوة قد تكون فيها العداوة ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم [ التغابن : 14 ] الآية .
ولا يصح أن تكون عداوة مع خلة ، فإذا تسمية
إبراهيم ومحمد - عليهما السلام - بالخلة إما بانقطاعهما إلى الله ، ووقف حوائجهما عليه ، والانقطاع عمن دونه ، والإضراب عن الوسائط ، والأسباب ، أو لزيادة الاختصاص منه - تعالى - لهما ، وخفي ألطافه عندهما ، وما خالل بواطنهما من أسرار إلهيته ، ومكنون غيوبه ، ومعرفته ، أو لاستصفائه لهما ، واستصفاء قلوبهما عمن سواه ، حتى لم يخاللهما حب لغيره ، ولهذا قال بعضهم : الخليل من لا يتسع قلبه لسواه ، وهو عندهم معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989440ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، لكن أخوة الإسلام .
واختلف العلماء أرباب القلوب :
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31860أيهما أرفع درجة : الخلة أو درجة المحبة ؟ فجعلهما بعضهم سواء فلا يكون الحبيب إلا خليلا ، ولا الخليل إلا حبيبا لكنه خص
إبراهيم بالخلة ،
ومحمدا بالمحبة .
وبعضهم قال : درجة الخلة أرفع ، واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989441لو كنت متخذا خليلا غير ربي عز وجل فلم يتخذه .
وقد أطلق المحبة
لفاطمة ، وابنيها ،
وأسامة ، وغيرهم .
وأكثرهم جعل المحبة أرفع من الخلة ، لأن درجة الحبيب نبينا أرفع من درجة الخليل
إبراهيم .
وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، ولكن هذا في حق من يصح الميل منه ، والانتفاع بالوفق ، وهي درجة المخلوق ، فأما الخالق جل جلاله فمنزه عن الأغراض ، فمحبته لعبده تمكينه من سعادته ، وعصمته ، وتوفيقه ، وتهيئة أسباب القرب ، وإفاضة رحمته عليه ، وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه ، وينظر إليه ببصيرته ، فيكون كما قال في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=989442فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به " .
ولا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد لله ، والانقطاع إلى الله ، والإعراض عن غير الله ، وصفاء
[ ص: 250 ] القلب لله ، وإخلاص الحركات لله ، كما قالت
عائشة - رضي الله عنه - :
كان خلقه القرآن برضاه يرضى ، وبسخطه يسخط ، ومن هذا عبر بعضهم عن الخلة بقوله :
قد تخللت مسلك الروح مني ، وبذا سمي الخليل خليلا فإذا ما نطقت كنت حديثي
، وإذا ما سكت كنت الغليلا
فإذا مزية الخلة ، وخصوصية المحبة حاصلة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - بما دلت عليه الآثار الصحيحة المنتشرة ، المتلقاة بالقبول من الأمة ، وكفى بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله [ آل عمران : 31 ] الآية .
حكى أهل التفسير أن هذه الآية لما نزلت قال الكفار : إنما يريد
محمد أن نتخذه حنانا كما اتخذت النصارى
عيسى ابن مريم ، فأنزل الله غيظا لهم ، ورغما على مقالتهم هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قل أطيعوا الله والرسول [ آل عمران : 32 ] ، فزاده شرفا بأمرهم بطاعته ، وقرنها بطاعته ، ثم توعدهم على التولي عنه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [ آل عمران : 32 ] .
وقد نقل الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13428أبو بكر بن فورك عن بعض المتكلمين كلاما في الفرق بين المحبة ، والخلة يطول جملة إشاراته إلى تفضيل مقام المحبة على الخلة ، ونحن نذكر منه طرفا يهدي إلى ما بعده .
فمن ذلك قولهم : الخليل يصل بالواسطة ، من قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض [ الأنعام : 75 ] .
والحبيب يصل إليه به من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى [ النجم : 9 ] .
وقيل : الخليل : الذي تكون مغفرته في حد الطمع ، من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي [ الشعراء : 82 ] .
والحبيب الذي مغفرته في حد اليقين من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ الفتح : 2 ] الآية .
والخليل قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون [ الشعراء : 87 ] والحبيب قيل له :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يوم لا يخزي الله النبي [ التحريم : 8 ] . فابتدئ بالبشارة قبل السؤال .
والخليل قال في المحنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=38حسبي الله [ الزمر : 38 ] .
والحبيب قيل له :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64ياأيها النبي حسبك الله [ الأنفال : 64 ] .
والخليل قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين [ الشعراء : 84 ] . والحبيب قيل له :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4ورفعنا لك ذكرك [ الشرح : 4 ] ، أعطي بلا سؤال .
والخليل قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ إبراهيم : 35 ] .
والحبيب قيل له :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ]
وفيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب هذا المقال من تفضيل المقامات ، والأحوال ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=84قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [ الإسراء : 84 ] .
الْفَصْلُ التَّاسِعُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638_31860_31033تَفْضِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي تَفْضِيلِهِ بِالْمَحَبَّةِ ، وَالْخِلَّةِ : جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ ، وَاخْتُصَّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَبِيبِ اللَّهِ . [ أَخْبَرَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخَطِيبُ ، وَغَيْرُهُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16846كَرِيمَةَ بِنْتِ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْهَيْثَمِ ، وَحَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ سَمَاعًا عَلَيْهِ .
حَدَّثَنَا
الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا
فُلَيْحٌ ، حَدَّثَنَا
أَبُو النَّضْرِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15527بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ] ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989435لَوْ كُنْتُ [ ص: 248 ] مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=989436وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989437وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989438جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَهُ ، قَالَ : فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ ، فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَجَبًا ! إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلًا
وَقَالَ آخَرُ : مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى ، كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا .
وَقَالَ آخَرُ : فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ ، وَرُوحُهُ .
وَقَالَ آخَرُ : وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ .
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ، وَقَالَ : قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ ، وَعَجَبَكُمْ ، أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ ، وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ، وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا ، وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا فَخْرَ ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَلَا فَخْرَ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
إِنِّي اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا ، فَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ : أَنْتَ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ : اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْخِلَّةِ ، وَأَصْلِ اشْتِقَاقِهَا ، فَقِيلَ : الْخَلِيلُ : الْمُنْقَطِعُ إِلَى اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ فِي انْقِطَاعِهِ إِلَيْهِ ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ اخْتِلَالٌ .
وَقِيلَ : الْخَلِيلُ الْمُخْتَصُّ ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ وَاحِدٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَصْلُ الْخِلَّةِ الِاسْتِصْفَاءُ : وَسُمِّيَ
إِبْرَاهِيمُ خَلِيلَ اللَّهِ ، لِأَنَّهُ يُوَالِي فِيهِ ، وَيُعَادِي فِيهِ ، وَخَلَّةُ اللَّهِ لَهُ نَصْرُهُ ، وَجَعْلُهُ إِمَامًا لِمَنْ بَعْدَهُ .
وَقِيلَ : الْخَلِيلُ : أَصْلُهُ الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ الْمُنْقَطِعُ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخُلَّةِ ، وَهِيَ الْحَاجَةُ ، فَسُمِّيَ بِهَا
إِبْرَاهِيمُ ، لِأَنَّهُ قَصَرَ حَاجَتَهُ عَلَى رَبِّهِ ، وَانْقَطَعَ إِلَيْهِ بِهَمِّهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَبْلَ غَيْرِهِ ، إِذْ جَاءَهُ
جِبْرِيلُ ، وَهُوَ فِي الْمَنْجَنِيقِ ، لِيُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ ، فَقَالَ : أَلَكَ حَاجَةٌ ؟ قَالَ : أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ :
[ ص: 249 ] الْخِلَّةُ : صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ الَّتِي تُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِتَخَلُّلِ الْأَسْرَارِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَصْلُ الْخِلَّةِ الْمَحَبَّةُ ، وَمَعْنَاهَا الْإِسْعَافُ ، وَالْإِلْطَافُ ، وَالتَّرْفِيعُ ، وَالتَّشْفِيعُ ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 18 ] .
فَأَوْجَبَ لِلْمَحْبُوبِ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِذُنُوبِهِ .
قَالَ هَذَا وَالْخِلَّةُ أَقْوَى مِنَ النُّبُوَّةِ ، لِأَنَّ النُّبُوَّةَ قَدْ تَكُونُ فِيهَا الْعَدَاوَةُ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [ التَّغَابُنِ : 14 ] الْآيَةَ .
وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَدَاوَةٌ مَعَ خِلَّةٍ ، فَإِذَا تَسْمِيَةُ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٌ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِالْخِلَّةِ إِمَّا بِانْقِطَاعِهِمَا إِلَى اللَّهِ ، وَوَقْفِ حَوَائِجِهِمَا عَلَيْهِ ، وَالِانْقِطَاعِ عَمَّنْ دُونَهُ ، وَالْإِضْرَابِ عَنِ الْوَسَائِطِ ، وَالْأَسْبَابِ ، أَوْ لِزِيَادَةِ الِاخْتِصَاصِ مِنْهُ - تَعَالَى - لَهُمَا ، وَخُفْيِ أَلْطَافِهِ عِنْدَهُمَا ، وَمَا خَالَلَ بَوَاطِنَهُمَا مِنْ أَسْرَارٍ إِلَهِيَّتِهِ ، وَمَكْنُونِ غُيُوبِهِ ، وَمَعْرِفَتِهِ ، أَوْ لِاسْتِصْفَائِهِ لَهُمَا ، وَاسْتِصْفَاءِ قُلُوبِهِمَا عَمَّنْ سِوَاهُ ، حَتَّى لَمْ يُخَالِلْهُمَا حُبٌّ لِغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : الْخَلِيلُ مَنْ لَا يَتَّسِعُ قَلْبُهُ لِسِوَاهُ ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989440وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ :
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31860أَيُّهُمَا أَرْفَعُ دَرَجَةً : الْخِلَّةُ أَوْ دَرَجَةُ الْمَحَبَّةِ ؟ فَجَعَلَهُمَا بَعْضُهُمْ سَوَاءً فَلَا يَكُونُ الْحَبِيبُ إِلَّا خَلِيلًا ، وَلَا الْخَلِيلُ إِلَّا حَبِيبًا لَكِنَّهُ خَصَّ
إِبْرَاهِيمَ بِالْخِلَّةِ ،
وَمُحَمَّدًا بِالْمَحَبَّةِ .
وَبَعْضُهُمْ قَالَ : دَرَجَةُ الْخِلَّةِ أَرْفَعُ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989441لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتَّخِذْهُ .
وَقَدْ أَطْلَقَ الْمَحَبَّةَ
لِفَاطِمَةَ ، وَابْنَيْهَا ،
وَأُسَامَةَ ، وَغَيْرِهِمْ .
وَأَكْثَرُهُمْ جَعَلَ الْمَحَبَّةَ أَرْفَعَ مِنَ الْخِلَّةِ ، لِأَنَّ دَرَجَةَ الْحَبِيبِ نَبِيِّنَا أَرْفَعُ مِنْ دَرَجَةِ الْخَلِيلِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَأَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ ، وَلَكِنَّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَصِحُّ الْمَيْلُ مِنْهُ ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْوَفْقِ ، وَهِيَ دَرَجَةُ الْمَخْلُوقِ ، فَأَمَّا الْخَالِقُ جَلَّ جَلَالُهُ فَمُنَزَّهٌ عَنِ الْأَغْرَاضِ ، فَمَحَبَّتُهُ لِعَبْدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ سَعَادَتِهِ ، وَعِصْمَتُهُ ، وَتَوْفِيقُهُ ، وَتَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْقُرْبِ ، وَإِفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ ، وَقُصْوَاهَا كَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَرَاهُ بِقَلْبِهِ ، وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ بِبَصِيرَتِهِ ، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=989442فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ " .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذَا سِوَى التَّجَرُّدِ لِلَّهِ ، وَالِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَصَفَاءِ
[ ص: 250 ] الْقَلْبِ لِلَّهِ ، وَإِخْلَاصِ الْحَرَكَاتِ لِلَّهِ ، كَمَا قَالَتْ
عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ بِرِضَاهُ يَرْضَى ، وَبِسُخْطِهِ يَسْخَطُ ، وَمِنْ هَذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْخِلَّةِ بِقَوْلِهِ :
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ، وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلَا فَإِذَا مَا نَطَقْتُ كُنْتَ حَدِيثِي
، وَإِذَا مَا سَكَتُّ كُنْتَ الْغَلِيلَا
فَإِذَا مَزِيَّةُ الْخِلَّةِ ، وَخُصُوصِيَّةُ الْمَحَبَّةِ حَاصِلَةٌ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ الْمُنْتَشِرَةُ ، الْمُتَلَقَّاةُ بِالْقَبُولِ مِنَ الْأُمَّةِ ، وَكَفَى بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] الْآيَةَ .
حَكَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الْكُفَّارُ : إِنَّمَا يُرِيدُ
مُحَمَّدٌ أَنْ نَتَّخِذَهُ حَنَانًا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْظًا لَهُمْ ، وَرَغْمًا عَلَى مَقَالَتِهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [ آلِ عِمْرَانَ : 32 ] ، فَزَادَهُ شَرَفًا بِأَمْرِهِمْ بِطَاعَتِهِ ، وَقَرْنِهَا بِطَاعَتِهِ ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى التَّوَلِّي عَنْهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 32 ] .
وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13428أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ كَلَامًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ ، وَالْخِلَّةِ يَطُولُ جُمْلَةُ إِشَارَاتِهِ إِلَى تَفْضِيلِ مَقَامِ الْمَحَبَّةِ عَلَى الْخِلَّةِ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفًا يَهْدِي إِلَى مَا بَعْدَهُ .
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : الْخَلِيلُ يَصِلُ بِالْوَاسِطَةِ ، مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ الْأَنْعَامِ : 75 ] .
وَالْحَبِيبُ يَصِلُ إِلَيْهِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [ النَّجْمِ : 9 ] .
وَقِيلَ : الْخَلِيلُ : الَّذِي تَكُونُ مَغْفِرَتُهُ فِي حَدِّ الطَّمَعِ ، مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي [ الشُّعَرَاءِ : 82 ] .
وَالْحَبِيبُ الَّذِي مَغْفِرَتُهُ فِي حَدِّ الْيَقِينِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=2لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [ الْفَتْحِ : 2 ] الْآيَةَ .
وَالْخَلِيلُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [ الشُّعَرَاءِ : 87 ] وَالْحَبِيبُ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ [ التَّحْرِيمِ : 8 ] . فَابْتُدِئَ بِالْبِشَارَةِ قَبْلَ السُّؤَالِ .
وَالْخَلِيلُ قَالَ فِي الْمِحْنَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=38حَسْبِيَ اللَّهُ [ الزُّمَرِ : 38 ] .
وَالْحَبِيبُ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ الْأَنْفَالِ : 64 ] .
وَالْخَلِيلُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [ الشُّعَرَاءِ : 84 ] . وَالْحَبِيبُ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [ الشَّرْحِ : 4 ] ، أُعْطِي بِلَا سُؤَالٍ .
وَالْخَلِيلُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [ إِبْرَاهِيمَ : 35 ] .
وَالْحَبِيبُ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [ الْأَحْزَابِ : 33 ]
وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ عَلَى مَقْصِدِ أَصْحَابِ هَذَا الْمَقَالِ مِنْ تَفْضِيلِ الْمَقَامَاتِ ، وَالْأَحْوَالِ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=84قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا [ الْإِسْرَاءِ : 84 ] .