الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين

                                                                                                                                                                                                [ ص: 354 ] "نهيت" : صرفت ، وزجرت ، بما ركب في من أدلة العقل ، وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما تعبدون من دون الله ، وفيه استجهال لهم ، ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة قل لا أتبع أهواءكم أي : لا أجري في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل ; وهو بيان للسبب الذي منه وقعوا في الضلال ، وتنبيه لكل من أراد إصابة الحق ومجانبة الباطل قد ضللت إذا أي : إن اتبعت أهواءكم ، فأنا ضال ، وما أنا من الهدى في شيء ، يعني : أنكم كذلك ، ولما نفى أن يكون الهوى متبعا ، نبه على ما يجب اتباعه بقوله : قل إني على بينة من ربي ، ومعنى قوله : إني على بينة من ربي وكذبتم به : إني من معرفة ربي ، وأنه لا معبود سواه ، على حجة واضحة وشاهد صدق وكذبتم به : أنتم ; حيث أشركتم به غيره ، ويقال : أنا على بينة من هذا الأمر ، وأنا على يقين منه ، إذا كان ثابتا عندك بدليل ، ثم عقبه بما دل على استعظام تكذيبهم بالله ، وشدة غضبه عليهم ، لذلك ، وأنهم أحقاء بأن يغافصوا بالعذاب المستأصل ، فقال : ما عندي ما تستعجلون به يعني : العذاب الذي استعجلوه في قولهم : فأمطر علينا حجارة من السماء [الأنفال : 32] إن الحكم إلا لله : في تأخير عذابكم يقص الحق أي : القضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل في أقسامه وهو خير الفاصلين أي : القاضين .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : " يقص الحق " أي : يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره ، من قص أثره لو أن عندي أي : في قدرتي وإمكاني ما تستعجلون به : من العذاب لقضي الأمر بيني وبينكم : لأهلكتكم عاجلا ; غضبا لربي ، وامتعاضا من تكذيبكم به ، ولتخلصت منكم سريعا والله أعلم بالظالمين : وبما يجب في الحكمة من كنه عقابهم .

                                                                                                                                                                                                وقيل : على بينة من ربي : على حجة من جهة ربي ، وهي القرآن وكذبتم به : أي بالبينة ، وذكر الضمير على تأويل البيان أو القرآن .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : بم انتصب الحق؟

                                                                                                                                                                                                قلت : بأنه صفة لمصدر " يقضي" ، أي : يقضي القضاء الحق ، ويجوز أن يكون مفعولا به من قولهم : قضى الدرع إذا صنعها ، أي : يصنع الحق ويدبره ، وفي قراءة عبد الله : " يقضى بالحق" .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 355 ] فإن قلت : لم أسقطت الياء في الخط؟

                                                                                                                                                                                                قلت : إتباعا للخط اللفظ ، وسقوطها في اللفظ ; لالتقاء الساكنين .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية